وهرعت إليك يا سيدي العمدة، لأنفض بين يديك جل أمري، من همومي وأتراحي. . . وأنا حطيم القلب كسير الخاطر. وأنت تعرف كيف يقتل القلب الحزن المضيء والبكاء الأسيف! وكيف يعصر الروح أنين الثكالى والنواح الحزين!
(فرج الله) ولدي الوحيد يا سيدي العمدة. (فرج الله) ربيعي في الخريف العابس! أظنك تعرفه جيداً! لقد حدثتك عنه ودموع الفرح تتراقص في عيني. . . بل أنت نفسك قد ساهمت في وجوده! لقد ولد بمالك المبارك، فأرسلت للقابلة أن تأتي، وزوجتي (فطومة) تعاني آلام المخاض، وتتلوى كالثعبان! أرسلت في طلبها من أجلي أنا الأجير المسكين. فاكتحلت عينا طفلي بالنور على يديها المباركتين الصالحتين. . . واندفعت وقتذاك نحوها بفرح ألح عليها أن تأخذ بطة سمينة، وثلاثة أقداح من الذرة، وهي كل ما أملكه حينذاك! كدت أذوب خجلاً وأنا أتقدم إليها بالهدية المتواضعة. ولكن ما العمل وضنك العيش بدفع بنا إلى الفاقة!؟
وأظنك تذكر ذلك الفرح العظيم الذي أقمناه، وقد أتم (فرج الله) سبعة أيام من عمره. . جاءت المولدة في الصباح، ومعها من البخور أصناف شتى من المسك والكافور، وبعض أنواع النباتات الخضر. وأقبلت نحو فطومة، وقبلتها في وجهها، ثم جعلت تتمتم بدعاء خاص. . . وهي تهز شيئاً تحمله فوق رأسها، ثم أنهضت فطومة، فأطلق البخور. . . ولفت حوله سبع مرات والأطفال تتصايح في مرح، وراحت المولدة تطوف في أرجاء الدار، والطفل بين راحتيها، والنسوة من حولها يلقين الملح على الرءوس، ويهللن بالأفراح!
وتقدمت أنا وألبست الطفل حجاباً يحفظه من الأرواح الشريرة، وأخبرتني بعض النسوة أن أحمل معي ليلة الجمعة الميمونة ملابس الطفل إلى ضريح الشيخ الأتربي، وهناك أغمسها في الماء المبارك الذي غسل به المقام الطاهر كي يطيل الله في عمره، ولكني في غمرة الفرح بطفلي نسيت أن أفعل وأسفاه.