عرفت الدكتور أحمد عيسى بك لا من طبه - لا جعلت حاجتي إليه، على حذقه وأستاذيته فيه - بل من أدبه وعلمه. وقد كانت له مشاركة في سياسة الأحزاب جنت عليه فيما أعلم ولم يستفد منها إلا العناء الباطل، وإلا الاضطهاد بعد أن دالت دولة الحزب الذي دخل فيه. وما كان له قط عمل في السياسة وإن كان قد حسب من رجالها - وحوسب على ذلك - في وقت من الأوقات. وإنما كان همه العلم والبحث في اللغة، ومازال هذا همه ووكده. وقد زارني مرة منذ بضعة شهور أيام كان الكلام يدور في تخليد ذكرى المرحوم الملك فؤاد، وقال لي: إنه يرى غير ما يرى الناس في وسيلة هذا التخليد، فإنهم يرومون إقامة تمثال هنا وهناك، ولكن الملك فؤاداً كان عالماً محباً للعلم والعلماء، فالأولى أن يخصصوا المال الذي يجمع لنشر الكنوز العربية التي لا تجد لها ناشراً كما فعلت أم المستشرق جيب الكبير. وأراني ديوان شعر عربي طبع في أوربا وعلى الصفحة الأولى منه أنه مطبوع من المال المجعول لتخليد ذكرى هذا العالم المستشرق. وهذا الاقتراح من الدكتور عيسى بك يريك نزعته
ومن أغرب ما سمعت منه في ذلك اليوم أنه رد نحو ألفي كلمة من اللغة العامية إلى أصولها العربية، ورتبها وبوبها وعرضها على مجمعنا اللغوي ليطلع عليها ويطبعها وينشرها إذا وافق. ولكن المجمع آثر أن يهمل الأمر ولم ير أن يصنع شيئاً - على عادته -
وقد عنيت بهذا الخبر لأني أنا أيضاً جمعت طائفة من الألفاظ التي يظنها الكثيرون عامية وهي صحيحة وردت في كتب اللغة وكتب الأدب. وكان الباعث لي على العناية بهذا أني أؤثر أن أستعمل اللفظ المأنوس وأستثقل الحوشي والمهجور، فغايتي شخصية وغايته علمية بحت. وأتيحت لي فرصة فأذعت حديثاً عن العامية والفصحى أشرت فيه إلى بحث الدكتور عيسى بك ورجوت أن ينفض المجمع عنه هذا الغبار الكثيف وان يولي بحث الدكتور عيسى بك شيئاً من العناية التي يستحقها، ولكني احسبني ناديت غير سميع فما عبأ