من حسن حظ أمير المؤمنين أبي العباس أن انتدب عالمان جليلان هما الأستاذ أحمد أمين والأستاذ محمود شاكر لمناقشة رأيي في لقب (السفاح) الذي ألصقه بأبي العباس بعض أدباء المؤرخين أو مؤرخي الأدباء ظلماً، كما اعتقد وكما دلني البحث والتتبع. نعم أن الأستاذين الجليلين أخذا برواية المؤرخين الأدباء أمثال الجاحظ وابن قتيبة وأبى الفرج الأصفهاني، ولكن تدليلهما، على طرافته وبراعته، لم ينقض حتى اليوم ما سقت من الأدلة فضلاً عن أن يهدمها. وإني مجمل لقراء الرسالة الغراء رأيي في هذا الموضوع، ثم متبع ذلك باستدراكي على ما اعترض به علي الأستاذ شاكر.
لقد رجعت إلى سيرة أمير المؤمنين أبى العباس قبل الخلافة وأثناءها، فلم أجد فيها ما يسوغ تلقيبه بالسفاح بمعنى القتال. ثم رجعت إلى قصيدة ابن أبى شبة العبلي التي يرثى بها بني أمية، وهي المصدر المعاصر الوحيد لأبى العباس، فلم أجد الشاعر ذكر فيها الكوفة ولا الحيرة ولا الأنبار، وهي المواضع التي أقام فيها أبو العباس في خلافته، في حين أنه ذكر المواضع التي قتل فيها بنو أمية على أيدي عبد الله بن علي وداود بن علي بالشام والحجاز. ثم انتقلت بعد ذلك إلى الرواية التاريخية القديمة القائمة على الضبط والتحقيق كرواية ابن سعد، وابن عبد الحكم، والبلاذري، وأبى حنيفة الدينوري، وطيفور، واليعقوبي، والطبري، والنوبختي، والكندي، فلم أجد من هؤلاء الأعلام واحداً لقب أمير المؤمنين أبا العباس بالسفاح. هنالك ترجح عندي أن لقب (السفاح) لم يكن أصلاً لقب أبي العباس. ثم رأيت أن ابن سعد واليعقوبي وصاحب (أخبار مجموعة)، وصاحب كتاب الإمامة والسياسة، يسندون لقب (السفاح) إلى عبد الله بن علي عم الخليفة أبي العباس وعامله على الشام. ووجدت أن سيرة عبد الله ابن علي هذا مما يسوغ تلقيبه بهذا اللقب كل التسويغ، فهي سيرة جبار طاغية قتال حقاً. فثبت عندي أن اللقب لقب به أصلاً عبد الله بن علي المذكور. ولما كان عبد الله بن علي قد ادعى الخلافة فعلاً وثار على أبى جعفر المنصور بالشام، وخاطبه الشعراء بالخليفة، فقد اصبح معروفاً بالشام لذلك العهد بأمير المؤمنين عبد الله السفاح. ولكن الخليفة أبا العباس هو أيضاً يسمى عبد الله، فقد وجد نوع من اللبس بين