كتبت في عدد الثقافة الأخير كلمة عن المسابقة التي أذاعتها وزارة المعارف بشأن كتاب في الدين للمدارس الابتدائية. وقد قرأت كلمتك هذه بعجب وإعجاب. أما العجب فمن أنك تنعى على الوزارة اليوم ما كنت تتمناه عليها بالأمس؛ فلعلك تذكر - وما أظنك إلا ذاكراً - مجلسنا في أحد النوادي العلمية منذ قريب، وما كنا نتناوله فيه من أحاديث شتى أسلمتنا إلى تقرير الكتب وكيف تقرر لا لجودتها ولا لرسوخ قدم مؤلفها في مادتها بل لجاهه ونفوذه حتى احتكرها أصحاب الجاه والنفوذ وصارت وقفاً أهلياً عليهم - على حد تعبيرك - لا يغل إلا لكبار موظفي الديوان العام ومن إليهم من المراقبين والمفتشين الأوائل: ولعلك لم تنس كذلك ما قلته أنت في تلك في تلك الليلة - بل ما كتبته في الثقافة منذ شهر أو يزيد قليلاً من أن أولئك المؤلفين الكبار أو كبار المؤلفين لم يكن لهم في الحق والواقع من التأليف إلا تشريف الكتاب باسمهم ومداليد لتناول نصيبهم والوقوف في الميدان لمطاردة من تحدثه نفسه باقتحامه واتخاذ كل وسيلة شريفة وغير شريفة لإقصائه. لقد كنا سبعة نتعاور الكلام في هذا الموضوع وكنت - أنت - أصرحنا كلاماً وأبسطنا لساناً وأغزرنا استشهاداً حتى لقد ضربت بنفسك المثل وذكرت أنه قد طلب إليك أن تكون جندياً مجهولاً يصرع في الميدان ليرتفع القائد على أشلائه، فتأبيت على المريد. كل هذا عجيب، وأعجب منه أن تقترح على الوزارة في كلمتك الأخيرة ترك المدارس أحرارا في التأليف وفي اختيار ما يشاءون من الكتب لتلاميذهم. يا لله! أي حرية أو في من أن تدعو الوزارة رجالها جميعاً للتباري وتكافئ السباقين فيهم ولا تجعل الأمر احتكاراً أو وقفاً أهلياً على جماعة منهم؟ وأي حرية أسمى من أن تسوى في هذا الميدان بين المتسابقين جميعاً ولا تنظر إليهم من حيث الجاه والمنصب، وإنما تنظر إليهم من حيث البراعة والمقدرة والكفاية، وبهذا ترد إلى رجال التعليم اعتبارهم العلمي وتشجعهم على الإنتاج وتثبت فيهم روح الإقدام على التأليف الذي يهابونه لذاته أو للمحتكرين له! على أن للمسابقة فضلاً آخر أرشدت إليه المسابقات الماضية هي أنها تكشف عن بعض الأفذاذ المجلين الذين يعملون في وزارات أخرى غير