استأذنت فسرعان ما أذن لي بالدخول عليه، ولقيني بترحاب وبشاشة يعرفهما فيه كل من دخل حجرته، وقل في أصحاب الديوان من كان له مثل أريحيته ونبله على رفعة منصبه وسمعة نفوذه، فإن أكثرهم وا أسفاه لتسفل نفوسهم بارتفاع مناصبهم، وإنهم ليتأبهون على الناس ويتكرهون لهم حتى لكأنهم يحيون ويموتون. . وليس لهم في الواقع من الأمر شيء. . .
وإنه لينزلني منه منزلة الصديق وأنا تلميذه، ويرفع مكانتي عنده، ويحب منظاري ولا يفتأ يحدثنني عنه.
ومن أعظم ما حببه لي على كثرة ما أحببت من صفاته، أنه يستمع في أناة عجيبة إلى كل شاك لا يتبرم ولا يقاطع ولا ينفذ صبره، ثم يقول ما له ومل عليه، لا يلتوي ولا يغالط ولا يتحفظ. .
كان على مقعد قريب من مكتبه وكيله في العمل، وهو يكبر رئيسه فيما أعلم بنحو سبعة أعوام ويسبقه في التخرج بمثل هذه السنوات، ولم يخف على منظاري أن بنفسه من ذلك شيئاً بل أشياء. .
واستبقاني الرئيس بعد أن أفضيت إليه بما جئت من أجله؛ ودخل شاب بعد أن أذن له فسلم وظل واقفاً، وقرأت في وجهه أنه يكتم غضبه؛ وأذن لقادم آخر فدخل وهو كهل في أول الكهولة فيما قدرت، وأشار إليه الرئيس فجلس على مقعد ينتظر دوره في الكلام. . . . ولمحت كذلك في وجهه إنه يمتلئ حفيظة وغضباً. .
وقال الرئيس للشاب: أظن أنه ينبغي أن تسافر فإن فلاناً بك مصر على ألا يقبلك بعد اليوم عنده؛ ومشت في هيكل الشاب رعدةً وقال في عبارة مضطربة وفي لهجة تصور مرارة نفسه. معنى ذلك إن الموظف بهيم لا إرادة ولا رأي ولا كرامة له؟ لم لا يفهم فلان بك إنه أخطأ حتى لا يعود ثانية إلى الخطأ، وإلا فما وجه خطأي أنا كي لا أقع فيه من بعد؟. . ينبغي إذن أن أصانع كل رئيس على حساب الحق والكرامة والصالح العام. . لا. لا. . هذا كثير. .