للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مصطفى لطفي المنفلوطي]

بمناسبة ذكراه الثالثة عشرة

- ٢ -

كان مولد المنفلوطي كمولد الرافعي في بيت كريم بالدين جليل بالفقه توارث أهله قضاء الشريعة ونقابة الصوفية قرابة مائتي سنة؛ ولكنه كان خِلْفةً لنبعتين مختلفتين: فأبوه عربي صريح النسب إلى عترة الحسين، وأمه تركية شابكة القرابة إلى أسرة الجوربه جي؛ ونهج المنفلوطي سبيل آبائه في الثقافة، فحفظ القرآن في المكتب، وتلقى العلم في الأزهر؛ لا أن للأدباء من أبناء الفقهاء نَبوةً في بعض الحالات على إرادة الوراثة والنشأة؛ فهم يصدفون في منتصف الطريق عن دروس الفقه والأصول والعقائد، إما لأن أذواقهم الأدبية الموهوبة لا تسيغ أساليب كتبها المعقدة، وإما لأن طباعهم المدنية الحرة لا تطيق الحياة الدينية المقيدة. فكان السيد مصطفى على الكره من ورع قلبه ورعاية أبيه لا يُلقي باله كثيراً لغير علوم اللسان وفنون الأدب؛ فهو يحفظ الأشعار، ويتصيد الشوارد، ويصوغ القريض، وينشئ الرسائل، وتسير له شهرة في الأزهريين بذكاء القريحة وروعة الأسلوب فيقربه الأستاذ الإمام ويرسم له الطريقة المثلى إلى الغاية من الأدب والحياة. ثم يستفيد المنفلوطي من قربه إلى الإمام صلته بسعد باشا، ومن زلفاه لدى هذين العظيمين نُفوقه لدى (المؤيد)؛ والإمام المجتهد محمد عبده، والسياسي الخطيب سعد باشا، والصحفي الكاتب علي يوسف، كانوا أقوى العناصر في تكوين المنفلوطي الأديب بعد استعداد فطرته وارشاد والده؛ وأولئك الثلاثة كانوا على ما بينهم من التفاوت في نواحي النبوغ أفهمَ رجال العصر الحديث لحقيقة الأدب وأشدهم حدبا على بؤس أهله.

كان المنفلوطي لا يعمل جادّاً لشهادة الأزهر، وإنما كان يعتمد في نيلها على جاه الإمام، كما كان يعتمد من هم على شاكلته من أبناء العلماء على وساطة والديهم؛ والإمام المفتي مفسر وحي الله، وشارح فن عبد القاهر، ومعيد الأدب إلى الأزهر، كان يقيس كفاية الطالب بمقياس سيبويه لا بمقياس أبي حنيفة. فلما قبضه الله إلى رحمته جزع المنفلوطي فيه على سنده وأمله، وارتد مقطوع الرجاء إلى بلده. ثم نعش الله عاثر أمله بعد فترة من الزمن فهب يبتغي في (المؤيد) الوسيلة إلى النباهة والنجح، وأوى من الوزير سعد باشا حامي النبوغ

<<  <  ج:
ص:  >  >>