لم تكن محفوفة بالمكاره هذه الرحلة إلى الدار الآخرة؛ فقد سلك هرقل سبلاً من قبل كان الموت يجثم له في كل خطوة فوقها، وكانت المنايا تتربص به، ثم تفر منه أخر الامر، كأنما كان هو موتاً للموت، ومنية للمنية، وفناء للفناء
اسقط في يد حيرا حين عاد هرقل بتفاحات هسبريا، واستولى عليها الجزع حين رأت إلى التنين لادون مضرجاً بدمه، فوسوست في صدر يوريذوس أن يأمر البطل فيحضر له سير بيروس من الدار الآخرة!!
وسير بيرسون هو ذلك الكلب الهائل ذو الرؤوس الثلاثة، الذي رأيناه يعدو في اثر بلوتو - إله الموتى - حينما زار هذه الدار الأولى ليخطف برسوفنيه، وهو أبدا يربض عند قدمي سيده الجالس فوق عرش هيدز، يقلب في غيهب السفل أعينه الستة، كأنها انجم تحترق في فحمه ليل بهيم، وهو أيضاً أداة تعذيب في دار الأبدية، ينشب أظفاره في أرواح المجرمين، ولا يفتأ يكرع من دمائهم حتى يروى!
وكانت الحرية تشيع بالآمال في قلب هرقل، وكان هو قد برم بهذا الرق الأسود الذي كتبته عليه السماء؛ فانطلق يعدو إلى دار الموتى، وبين يديه طائفة من الآلهة تهديه وترشده؛ حتى إذا كان قاب قوسين من السدة القاتمة الدجوجية، ووجد سير بيرسو مقعياً يغط في نوم عميق، وإله الموتى مستلقياً يقلب في حضنه القوي برسفونيه الجميلة، انقض على الكلب فخنقه حتى لا يعوي فتعاويه كلاب الجحيم كلها وتكون هنالك الطامة. . .! وانتفتل من دار الظلمات وفي نفسه من الرحمة لهذه الأرواح الهائمة ما أسال دموع الحنان من عينيه الحزينتين!