للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[علوم البلاغة في الجامعة]

للأستاذ علي العماري

يحلو لبعض المعاصرين أن يسموا أنفسهم مجددين، كلُّ فيما يزاول من علم أو فن، ولعل هذا الادعاء عارض نفسي يعرض لكثيرين في كلُّ عصر ولاسيما من يغرمون بالشهرة، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا.

وتجديد هؤلاء من العجب، فما هو إلا أن تِعنّ فكرة في رأس أحدهم حتى يطير بها، ويكاد يجن فرحاً وغروراً، ولو عرف قدر نفسه وتأنى قليلا لأدرك إنما خيل له، وليس هو التجديد، ولكنه قصور الفهم، وضلال العقل، وعمل الغرور، وربما اكتفى أحدهم بدرس كتاب أو كتابين في المادة التي يريد أن يجدد فيها. ثم بعد ذلك يشهد العالم على أن العلماء قصروا، وأنهم لم يفهموا، ولو أمعن الفهم، ولو وسَّع دائرة اطلاعه لقد كان وجد في كتب القوم ما يرد نزغته، ويطفئ شهوته.

وقد منيت علوم البلاغة في العصر بدعاة التجديد، وهي في شديد الحاجة إلى من يجد أخلاقها، ولكنها لا تظفر إلا بالدعاوي العريضة الكاذبة، ونستطيع أن نقول إن التجدد فيها وقف بعد الإمام الجليل الشيخ عبد القاهر الجرجاني، وإن ما بذل بعد ذلك ليس إلا محاولات بسيطة إن لمست بعض النواحي في هذا الفن فأنها لم تخلص إلى اللباب، وإن في (دفاع عن البلاغة) للأستاذ الزيات، وفي (مذكرات في علوم البلاغة) لفضيلة الشيخ سليمان نوار، وفي (التصوير الفني في القرآن) للأستاذ سيد قطب أقول إن في هذه الكتب لوثبات تبشر بخير، وهي بعد جديرة بالتقدير.

ويمكن أن ننظر في محصول هذا العصر البلاغي، فنجد بعض العلماء قنع بأن يجمع الأشتات، ويؤلف المتفرقات، ثم يدعي أنه في البلاغة ألف، وبعضهم يعمد إلى الورق الصقيل، والطبع الأنيق، ليقول إنه في البلاغة جدد، ولعل شر الثلاثة هؤلاء الذين يفترون على العلم ويكذبون على القدامى، ويكثرون من ثلبهم وتنقصهم ليقال إنهم وحدهم الذين عرفوا وقد جهل الناس، ووصلوا وقد تخاذل العلماء.

يهدمون ولا يبنون، ولو أنهم هدموا متبصرين فاهمين لكان فيهم أمل، ولكنهم يضربون معاولهم وهم مغمضو الجفون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>