لقد درسنا حتى الآن حياة رجال ذوي شخصيات أكاديمية، فلنقف قليلاَ لننظر في حياة ثلاثة من رجال الإنجليز الذين كان اهتمامهم باللغة العربية وببلاد العرب ينبع من معين أخر، والذين يختلف عملهم الذي ملأ حياتهم كلها، عن عمل أولئك الذين سبق أن درسناهم
وأول هؤلاء وأشهرهم هو (سررجارد برتون)(١٨٢١ - ١٨٩٢) فبالرغم من أنه بدأ دراسته للغة العربية مبكراَ وهو في أكسفورد فانه ترك الجامعة قبل أن يتمها، وذهب إلى الهند لكي يعمل في الجيش البريطاني. وعاش هناك بضع سنين، قضى أكثرها في المناطق الإسلامية، ودرس اللغتين العربية والفارسية، واللغات الإسلامية الأخرى على أيدي مدرسين من المسلمين، وعند عودته إلى إنجلترا نشر أربعة كتب عن الهند
وفي سنة ١٨٥٣ زار مصر زيارته الأولى، وقام برحلة على ظهور الجمال من القاهرة إلى السويس. وبعد سفر ملئ بالحوادث غادر ذلك الميناء قاصداَ ينبع في باخرة حجاج؛ وتغلغل في الحجاز قاصداَ زيارة المدينة ومكة، ثم عاد إلى إنجلترا عن طريق جدة ومصر. ونشر بعد عودته وصفاَ لرحلاته هذه في ثلاثة مجلدات طبعت عدة طبعات، ولا تزال تعتبر مرجعاَ عن البلاد التي وصفها. ثم أعقب ذلك عدة سنين من أسفار متعاقبة
وفي إحدى المرات قام برحلة استكشاف في المناطق المتوحشة من شرقي أفريقيا والحبشة، متنكراَ في زي تاجر عربي. وقد عاد بمعلومات ثمينة عن المناطق التي تكاد تكون مجهولة. وفيها تلا ذلك من السنين ساح في وسط وغرب أفريقيا، والأقسام المغمورة من الأمريكتين. ونراه في سنة ١٨٥٥ في الفرم يخدم مع القوات البريطانية. وفي خلال المدة ما بين سنة ١٨٦٩ و١٨٧١ كان في دمشق وساح في سورية ومعه زوجته و (إدوارد هنري بالمر) ونشر هو وزوجته وصفاَ لتلك البلاد، وعاد بعد سنوات إلى مصر وأشرف