آمنت بالله واستثنيت جنته ... (دمشق) روح وجنات وريحان
اللهم، إن كنت كتبت لي (برحمتك) الجنة، فاجعل جنتي في الآخرة على مثال (دمشق)، واجعل قصري فيها في (الجادة الخامسة)!. . .
ولكن كيف لي بتصوير (الجادة الخامسة) لقراء (الرسالة) وهم منتشرون في أقطار الأرض كلها؟. . . وكيف لي بإقناعهم، ولكل منهم بلده، وكلّ ببلده فخور!. . . إن الشام درّة تاج الكون، وإنها بيت القصيد في (معلّقة) الوجود، وإنها اللذة الكبرى مجسمة، وإنها العاطفة السامية، والحب مصوّراً هضاباً وصخوراً ومروجاً وبساتين. . . وإن (الجادة الخامسة) درة دمشق، وبيت قصيدها، وإن الذي تشرف عليه منظر أقلْ ما يقوله الصادق فيه وأبعده عن المبالغة وألصقه بالحق الصراح أنه أجمل منظر على ظهر الأرض، وأن الله حين وزع الجمال على البقاع. . . فخص كل واحد منها - بنوع واحد منه - جمعه كله لدمشق، ووضع أفضل مجموعة منه في (الجادة الخامسة)!
ولقد كنت في البادية منذ أسبوع آيباً إلى دمشق، أحدق في الأفق علّي أرى خيال دمشق: بلد الحب، بلد اللطف، بلد الكرم، بلد الجمال. . . فلا أرى إلا الصحراء بوجهها الكالح الكئيب الصامت الرهيب، فأفرُ من مرآها وأغمض عنها عيني، أحاول أن أختلس من الزمان إغفاءة، فأقطع هذا الطريق المضني على مطية الكرى. . . فلا أرى في منامي إلا طيف دمشق البلد الحبيب، ولا أكاد أستمتع به حتى تقصيه عني سيارة (نيرن) بهديرها الذي يطرد الأحلام، ودويَّها الذي يطيَّر شياطين الشعر، وثقلها ورزانتها التي تشبه أحلام قوم الفرزدق. . . ولبثت على ذلك حتى جاوزنا (الضمير)، واستقبلنا دمشق من طريق حمص، وكنت في شبه غفوة. . . فما أحسست إلا إخواناً لنا من أهل بغداد كانوا معنا في السيارة ينبهونني ليسألوني. فانتبهت، فإذا أنا أرى حولي طلائع الخضرة تمتد إلى السفوح البعيدة. فقالوا: أهذه هي (الغوطة)؟ فضحكت وقلت: هذه سهول لها نظير في كل أرض. . . فكيف تكون هي الغوطة التي ليس لها في الأرض نظير؟ انتظروا تروا. . . وسرنا خلال