للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مصر وأخواتها]

كأنما السؤال عن الناس كسؤال الناس لا يتفق مع الرخاء ولا يكون مع الغنى! فإن مصر والعراق يكادان من سعة العيش لا يذكران من وراء الحدود؛ والوحدة العربية في البلدلين على الرأي الأغلب حديث خُرافة أو حديث مجاملة! فلولا الأدب الذي يجمع الفؤاد بالفؤاد، ويربط البلاد بالبلاد، ويصل الأحفاد بالأجداد، لظلت منابت العروبة ومواطن الإسلام إغفالاً لا تُعرف، وإرحاءاً لا تُبلُ.

يزور المصري قطراً من أقطار العرب، فيكون أول ما يرد على سمعه عتب المحبين على الهجر، ولوم الأقربين على القطيعة، وعذل الجيرة على التخاذل؛ فيلقي معاذيره الملوم المحُرج في منطق عي ودفاع غير ناهض؛ ثم يزداد حرجه وتتخاذل حججه كلما رأى قلوبهم، تزخر بعواطفه، وصدورهم تجيش بأمانيه، وألسنتهم تضطرب بأخباره، ونهضتهم تسترشد بنهضته، ووجتههم تسير مع وجهته؛ فصحفه تُقرأ، وكتبه تدرس، وسياسته تحتذي وزعامته تتبع؛ ثم خصومته هي لهم خصومة، وحكومته هي عليهم حكومة، وقومه لقومهم أهل، وبلده لبلادهم قبلة حينئذ يقول لنفسه والخجل والعجب يتعاقبان على وجهه: إن وطني مترامي الحدود فلماذا أحده على الضيق؟ وقومي ضخام العديد فلماذاأحصرهم على القلة؟ وجيراني كرامُ يصفون المودة، ويصدقون العطف، ويولون المعونة، فلماذا أجعل بيني وبينهم سداً من الإهمال والغفلة؟ ن الأمم القوية الناضجة لَتُرخص الأموال والأنفس في التمكين لأدبها ونفوذها وعُروضها في الشرق، فكيف نعرض نحن عن ذلك وهو يأتينا عفواً عن طريق القرابة في البلد والنسب، والوحدة في اللغة والأدب، والمشابهة في الحظ والحالة؟

دع ما ترشد إليه الغريزة من تعاطف الأهل، وتناصر الضعاف، وتعاون الجيرة، وانظر في الأمر من جهة الفائدة: أليست سورية منفذ العراق إلى البحر المتمدن، والسودان طريق مصر إلى النهر المحيي؟؟ ومع ذلك فالعراق مصروف الهم عن سورية، ومصر قليلة العلم بالسودان، فلا تعرف عنه إلا أنه جزء من سياستها! أما أنه قطعة من جسمها، وكلمة من اسمها، فذلك ما لم تعلمه إلا بالسماع، ولم تفهمه إلا في المدرسة

يزور الرسالة الحين بعد الحين أخ من السودان أديب أو طالب، فلا نسمعه يقول أول ما يقول إلا هذا المعنى الواحد في صيغه المتعددة: لأننا لنعلم عنكم كل شيء، وإنكم لتجهلون

<<  <  ج:
ص:  >  >>