لم تبق حركات الإصلاح محصورة في الهند ومصر، ولكنها تعدتهما إلى البلاد الإسلامية الأخرى، وذلك أن حركة التبادل الفكري في العالم الإسلامي قوية عنيفة لا يمكن معها أن تبقى مثل هذه الحركات مقصورة على مكان واحد. وعلى الأخص إذا كانت أفكاراً لذوي الشخصيات القوية مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ممن تعدت أفكارهم وآراؤهم الحدود ووجدت صدى بعيداً وتأثيراً مباشراً
وقد ظهرت فجأة وعلى غير انتظار حركة إصلاح ديني هي حركة الإصلاح في تركيا، ذلك الشعب الذي لعب دوراً في قيادة العالم الإسلامي عدة قرون. وقد جاءت هذه الحركة متأخرة عن الحركات الأخرى، ولكنها كانت مع هذا التأخر أشد من أولئك فضلاً وأنفذ عملاً. أما السبب الذي جعل تركيا التي كانت تسير في الإصلاحات السياسية والثقافية في المقدمة وعلى قمة الناهضين - لا تهتم اهتماماً استقلالياً بالإصلاح الديني إلا أخراً، فإن ذلك يرجع إلى أسباب من أنواع مختلفة، فمن ذلك أن الأتراك بطبيعتهم لم يكونوا باحثين منقبين، ولم يساهموا في تطور الإسلام بسهم ملحوظ؛ فإنهم عندما دخلوا الإسلام كان الدين والتفكير فيه قد انتهى إلى شكله النهائي الذي وصل إليه. وكما أنهم لم يساهموا فيه أولاً، كذلك لم يساهموا في نهضته أخراً، لما هو فيهم من ميل وسعي لاقتباس المدنية الغربية، وكلما ظهر تأثرهم بهذه المدنية قوياً ظهر إمكان إيجاد الاتصال بين الإسلام وبين العقلية الحديثة للشباب التركي أمراً بعيداً
وتطور التركية الحديثة يسير منذ زمن طويل قليلاً أو كثيراً في طريق لا يقوم على أساس أو خلق بل هو عار عن كل وطنية أو دين، وهو ما يسمى في الشرق بالنزعة الغربية أو الأوربية على أننا لا ننسى أمراً مهما وهو أن عصر طغيان عبد الحميد كانت تمجد فيه مذاهب السنة والتمسك بها في الآستانة. ومن الحق أن جمال الدين كان قد أثر هناك، ولكن تأثيره كان ضعيفاً من سوء ظن السلطان به؛ وكانت أفكاره قد طبعت من جانب عبد الحميد بطابع سياسي عملي. وفي هذه الفترة التي اشتد فيها النزاع الداخلي بين الإسلام والتقدم