هذه قضية الشاعرين العذْريين: هُدْبة بن خشْرَمٍ وزيادة بن زيد، بل مأساة الشعر الذي أراد الإسلام أن يجعل منه رسالة إصلاح، وصلة تراحم، فأبى إلا أن يمضي على ما كان عليه قبله، يثير العصبية بين العرب، ويقطع صلة التراحم بينهم وقد شغلت هذه القضية الناس ثلاث سنين، بوقائعها المثيرة، وأخبارها المؤثرة، وأشعارها البليغة، وكان أهل المدينة أكثر الناس افتناناً بأخبارها وأشعارها، لأن وقائعها جرت فيما بينهم، وكان هدبة أول من أُقيد منه في الإسلام، فأحدث ذلك في أهل المدينة الوادعة أثراً عظيماً، حتى قال مصعب الزبيري: كنا بالمدينة أهل البيوتات إذا لم يكن عند أحدنا خبر هدبة وزيادة ازدريناه، وكنا نرفع من قدر أخبارهما وأشعارهما ونعجب بها.
وكان من أمر هذه القضية أن هدبة وزيادة اصطحبا في ركب من قومهما إلى الحج؛ فكانا يتعاقبان السوق بالإبل، وكان مع هدبة أخته فاطمة، فنزل فارتجز فقال:
عوجي علينا واربعي يا فاطما ... مادون أن يرى البعير قائما
ألا ترين الدمع مني ساجما ... حذار دار منك لن تلائما