للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أحمد الزين (الإنسان)]

للأستاذ عبد الفتاح البارودي

في ٥ نوفمبر من العام الماضي روعت الدوائر الأدبية بفقد الشاعر العالم الراوية (أحمد الزين). وما أظن أحدا من عشاق الأدب يجهل قيمته الأدبية؛ ويكفي أن نقول أنه شارح وضابط ومصحح العقد الفريد، وإمتاع الأسماع، ونهاية الأب وما إليها من أمهات الكتب بمفرده حينا وبالاشتراك مع آخرين من الفضلاء أحيانا. كذلك يكفي أن نقول انه كان في مقدمة (الرواة) في العصر الحديث، بل ربما يكون قد انتهى بموته عهد (الرواية الأدبية). . .

ومع هذا فلست أريد في هذا الحديث أن أتكلم عن أدبه مرجئا ذلك لفرصة أخرى؛ وإنما أريد أن أحاول تصوير بعض ملامح شخصيته الطريفة النادرة تصويرا سريعا قبل أن تغمرها موجة النسيان؛ فقد كان الفقيد نموذجا فريدا في الحياة من طراز خاص وأسلوب خاص ومزاج خاص منقطع النظير.

الزين الظريف:

كان رحمه الله ظريفا إلى أقصى حدود الظرف في كل حركاته وسكناته. وقد تجلى ذلك في معظم منظوماته حتى في المراثي!! ولا زالت أذكر يوم اشترك في تأبين شاعر النيل (حافظ إبراهيم) بقصيدة مطلعها:

أفي كل حين وقفة إثر ذاهب ... وصوغ دم أقضي به حق صاحب

أودع صحبي واحدا بعد واحد ... فأفقد قلبي جانبا بعد جانب

بالرغم من هذه البداية الحزينة التي لاءمت المناسبة الحزينة فإن ظرفه سرعان ما غلب عليه ونقله من الحزن الخالص إلى التهكم الذي أضحك الحاضرين على من سماهم (المجددين) فقال مقارنا شعر (حافظ) بشعرهم:

فذاك جلال الشعر لا شعر عصبة ... يطالعنا تجديدهم بالحواصب

دواوين حسن الطبع موه قبحها ... وهل يخدع النقاد نقش الخرائب

فيا ضيعة الأوراق في غير طائل ... ويا طول ما تشكو رفوف المكاتب

كذلك في قصيدته في ذكرى (تيمور باشا) غلب عليه طرفه فنقله أيضا إلى التهكم على

<<  <  ج:
ص:  >  >>