خيل إليَّ وأنا أقرأ كتاب (التصوير عند العرب) أنني أجلس في (الخزانة التيمورية) أراقب صاحبها - رحمة الله عليه - فأراه يقوم إلى أحد الرفوف ويتناول كتاباً معيناً، من بين الكتب الكثيرة المرصوصة بعناية فائقة، ليقرأ فيه ويسجل على حواشيه ما يخطر له من آراء وأفكار. وأكاد أرى هذا الكتاب وهو يهتز بين يديه طرباً وسروراً، بل أكاد أسمع هذا الكتاب وهو يتغنى بمديح صاحبه ويفخر بين الكتب الأخرى بما خط على جوانب صفحاته من ملاحظات ترفع من قيمته في أعين العارفين. نعم. . . إن الكتب ترقص وتغني إذا هي وجدت من يعني بأمرها ويرعاها في عطف وحنان. ولو تركت (الخزانة التيمورية) وشأنها - وما فيها من عشرين ألف مجلد - لملأت جو القاهرة وضواحيها بما تتغنى به من أناشيد، تشيد فيها بذكرى صاحبها الراحل الكريم، ولكانت تجلب السلوة والعزاء إلى قلوب الكثيرين من سكان هذا القطر والأقطار الشقيقة، بل إلى قلوب أناس عديدين عصفت بهم الشدائد في تلك النواحي النائية البعيدة، ولكانت تكف عن هذا الصراخ والعويل الذي ينبعث من (قبر) شاءت الأحوال أن تظل حبيسة فيه، بعيدة عن عشاقها ومحبيها
حقاً كان المرحوم أحمد تيمور باشا صاحب (الخزانة التيمورية) ومؤلف كتاب (التصوير عند العرب) من أولئك الذين أسعدهم الدهر بأن يولدوا في وسط عائلي مولع بالأدب وقرض الشعر، فهو الذي قالت في ولادته أخته عائشة التيمورية من أبيات:
لاح السعود وأسفر التوفيق ... وتلا لنا سور العلا توفيق
وكان قد سمى عند ولادته (أحمد توفيق) ولكن لقب العائلة غلب عليه. وقامت أخته عائشة على تربيته بعد وفاة والده إسماعيل تيمور باشا، فتلقى علوم اللغة والمنطق والقراءات على فطاحل أساتذة ذلك العصر أمثال رضوان محمد وحسن الطويل والشنقيطي الكبير، وظل مثابراً على الدرس ومجالسة العلماء والأخذ عنهم، حتى أصبح الحجة في اللغة من بعدهم. وكانت داره بدرب سعادة منتدى يؤمه شيوخ الأدب واللغة للبحث والمناقشة أمثال: أحمد مفتاح، وطاهر الجزائرلي، ومحمد عبده، ويحيى الأفغاني، وغيرهم كثيرون من علماء