للدعوة إلى مذهب من المذاهب الاجتماعية أو السياسية طريقان:
أحدهما طريه صريح، وهو التنويه بفضائل المذهب الذي تدعوا إليه، وتجريد المذاهب التي تخالفه من أمثال هذه الفضائل
والطريق الثاني غير صريح، وهو الإكثار من ذكر العيوب التي يفهم القارئ أنك توجهها إلى نظام اجتماعي بعينه؛ ثم السكوت عن إسناد أمثال هذه العيوب إلى الأنظمة الأخرى، كأنها براء منها
فإذا كنت تعيش في ظل الديمقراطية وأكثرت من الكلام عن البطالة والجوع والمرض وغيرها من العيوب الاجتماعية، فقد يفهم القارئ من ذلك أنك تقدح في الديمقراطية ولا تمس غيرها بمثل ما تعيبه عليها
ويسري هذا الفهم إلى ذهن القارئ في الزمن الذي نعيش فيه خاصة، لأنه زمن الصراع بين المذاهب الاجتماعية والأمم التي تدين بكل منها، حتى جاز أن يقال إن نتيجة الحرب الحاضرة هي نتيجة الصراع بين هذه المذاهب على صورة من الصور، وأهمها الديمقراطية والشيوعية والنازية وزميلتها الفاشية كما هو معلوم
فالكاتب الذي ينقد العيوب الاجتماعية في النظام الديمقراطي يجب أن يشير إلى أمثالها في النظم الأخرى، إلا إذا كان من قصده أن يبشر بتلك النظم من طريق الإنحاء على العيوب الديمقراطية
والذين يذكرون البطالة ومتاعب الفقراء من كتابنا يجب عليهم أن يقرروا الحقيقة التي لا شك فيها إن كانوا يؤمنون بها، وهي أن المذاهب الأخرى لم تعالج هذه المشكلة علاجا أفضل من العلاج الذي تهتدي إليه الديمقراطية، ولا تزال تسعى إلى تحسينه، وإلا كان إلصاق هذه المشكلة بالديمقراطية وحدها مخالفاً للحقيقة ومخالفاً للقصد السليم
أما الحقيقة التي لا شك فيها، ولا حاجة بها إلى الإطالة في البيان، فهي أن النظم الاجتماعية الأخرى قد فشلت في علاج مشكلة البطالة والفقر، ولم توفق إلى علاج لها يضمن دوامه وتحمد عقباه