. . . . أما الشاعر فإنه مفخرة الأدب الفرنسي (الفونس دي لامرتين)، وأما الأمنية فإنها قصيدة عصرها من حبة قلبه، فكانت زفرة حرى تحترق بلهيبها عبرات الذواقين لهذا النوع من الشعر المثالي الرفيع.
وهذه الأمنية تصوير دقيق لما يجيش في نفس الشاعر المرهف الحس الذي لا يني يعبر عن الأفاق التي يدرك عظمتها ولا يصل إليها مهما بذل من الجهد، وعن العوالم التي يحس روعتها ولا يبلغها مهما ارتقى في الأسباب.
نظم لامرتين هذه القصيدة - كما حدث عن نفسه - (في فترة من حياته تحولت فيها فكرته - التي كانت لا تتوخى غاية، ولا تعين أمنية، ولا تعني بهذه الأرض ومن عليها - تحولا طبيعيا منتظراً نحو السماء وبانيها، ونحو الطبيعة وبارئها، فأمست أناشيده كلها دينية. يومئذ عرف أرواحا كانت تقواها ثمرة دموعها، وعرف أرواحا أخر كانت عبادتها كأريج الربيع الفواح تحت أضواء الشمس المشرقة التي تمتع القلب بالبشر والسرور. ولقد أحب أن تكون روحه من هذه الأرواح الأخر. حطم الألم أعصابه. ورده صامتا لا يبين، جاحدا لا يؤمن، يائسا لا ينتج. ثم أقبلت عليه السعادة بعد إدبار، فحببت إليه الإيمان وزينت في قلبه ألحانه، فعاد ناعم الفكر، رخي البال في تلك الفترة التي عاد فيها إلى إيمانه أو عاد إليه نظم قصيدته في مدينة من مدن إيطاليا تسمى (ليفورن) سنة ١٨٢٧ ولست أدري ما الذي يربط قلبي بقلب لامرتين، فما تأملت إحدى قصائده إلا أحسست كأنه ينظمها بلساني أو أنثرها عن لسانه، أو يكتبها من لوحة قلبي وأتلوها في لوحة قلبه؛ وما أريد بهذه الكلمة أن أعلوبنفسي إلى أفق هذا الشاعر العظيم في روعة تصويره، وسحر خياله، فما ينبغي لي هذا ولا أستطيعه؛ إن أريد إلا أن أتيح لقلمي العذر في ترجمة قصائده وتحليلها كلما وجدت فراغا، وآنست رغبة. لم يبح لامرتين لنفسه تصوير أمنيته إلا بعد أن أعلن عجزه، واعترف بعي لسانه: فشعوره أسمى من أن يترجم عنه ما تيسر له من الكلمات المحدودة، وتفكيره أعلى من أن يذيعه لسانه العبي الذي لا يحسن الابتكار والتوليد.