(هذا البحث قسمناه قسمين: ففي القسم الأول حققنا هذه
المفاوضات من الوجهة التاريخية ووصلنا إلى التسليم بصحة
وقوع بعضها ونفي وقوع البعض الآخر. وفي القسم الثاني
حاولنا أن نتلمس الروح المسيطرة على طرفي كل مفاوضة
صح عندنا وقوعها)
القسم الأول
(ا) المفاوضة الأولى
١ - ذكرها أبو المحاسن في النجوم الزاهرة (ج١ ص١٣ - ٢٤ط دار الكتب) نقلاً عن ابن كثير في تاريخه المسمى بالبداية والنهاية. قال:(لما استكمل المسلمون فتح الشام، بعث عمر بن الخطاب عمرو بن العاص إلى مصر. وزعم سيف: أنه بعثه بعد فتح بيت المقدس، وأردفه بالزبير بن العوام وفي صحبته بُسر بن أبي أرطاة وخارجة بن حذافة وعمير بن وهب الجمحي، فاجتمعوا على باب مصر، فلقيهم أبو مريم جاثليق مصر ومعه الأسقف أبو مريام في أهل النيات، بعثه المقوقس صاحب الإسكندرية لمنع بلادهم.
فلما تصافوا قال عمرو بن العاص: لا تعجلوا حتى نعذر إليكم. ليبرز إلى أبو مريم وأبو مريام راهبا هذه البلاد فبرزا إليه، فقال لهما عمرو: أنتما راهبا هذه البلاد فاسمعا: إن الله بعث محمداً بالحق وأمره به وأمرنا به محمد، وأدى إلينا كل الذي أمر به، ثم مضى وتركنا على الواضحة، وكان مما أمرنا به الأعذار إلى الناس، فنحن ندعوكم إلى الإسلام، فمن أجابنا فمثلنا، ومن لم يجبنا عرضنا عليه الجزية وبذلنا له المنعة. وقد أعلمنا أننا مفتتحوكم وأوصينا بكم حفظاً لرحمنا منكم، وإن لكم إن أجبتمونا بذلك ذمة إلى ذمة؛ ومما عهد إلينا أميرنا: (استوصوا بالقبطيين خيراً) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بالقبطيين