للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سير أعلامه:]

ملتن. . .

للأستاذ محمود الخفيف

- ٣٤ -

الفردوس المفقود: موضوع القصيدة الكبرى: -

في سنة ١٦٥٨ اخذ ملتن كما أسلفنا يتوفر على نظم قصيدته الكبرى، ومن ثم تعد هذه السنة بدء هذا العمل العظيم وإن كانت أجزاء قليلة من القصيدة قد نظمت قبل ذلك كما يقول أبن أخته إدوارد فيلبس، ولم تنته سنة ١٨٦٣ حتى فرغ الشاعر الضرير كما يقول إدوارد كذلك من هذه القصيدة العظيمة التي تبلغ زهاء خمسة آلاف وخمسمائة سطر، والتي تستغرق نيفا وثلاثمائة صفحة متوسطة الحجم، والتي تعد من اعظم الآثار الأدبية في أدب الدنيا قديمه وحديثه، والتي يتبوأ بها ملتن مكانة بين أفذاذ شعراء الملاحم الثلاثة: هوميروس ودانتي وفرجيل إن لم يبرعهم جميعا في أكثر من ناحية من القول كما يذكر كثير من النقدة الملحوظي المكانة في نقد أرادب والشعر.

ويمكن تلخيص موضوع القصيدة في كلمات قليلة؛ فهي قصة إبليس بعد أن فسق عن أمر ربه، فقد تمرد هذا الشيطان الأكبر ومن اتبعه من الغاوين واجترأ على محاربة خالقه فأخذهم الله أخذاً قوياً فإذا بهم جميعا في جهنم جثيا؛ ثم خلقت جنات عدن وخلق آدم وحواء ودلهما الله على الشجرة المحرمة ونهاهما ربهما أن يقربا هذه الشجرة، فوسوس لهما الشيطان فأكلا منها وعصيا ربهما فأخرجهما من الجنة.

وحق للمرء أن يعجب كيف يخلق الشاعر من هذه القصة على بساطتها قصيدة بلغت هذا الذي بلغته من الطول، وما فيها منظر أو فكرة مما يصح حذفه، ثم ما فيها موضع تطرق إليه شيء من الضعف أو شيء مما يبعث السأم في نفس القارئ، بل إنها جميعا تبلغ من السمو والقوة مدى يتخاذل دونه جهد المبدعين ويتقاصر عنه افتتان المفتنين فما يقع المرء فيها إلا على ما يعجب ويطرب وما يشيع في النفس نشوة روحية قوية تشعرها بسر العبقرية وسلطانها وتذرها مسحورة مأخوذة حتى ينقضي هذا الحلم الجميل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>