أهديت إليّ مع الكتاب مودتك وتقديرك، فإذا مودتك يثب إليها من مهجتي صنو يأتلف من الأرواح المجندة، وإذا تقديرك فيما يتم عليه من تواضع العلماء الفضلاء يبتعث في نفسي مالك فيها من كامن الشعور المضاعف بالنظير. وإنيلأعكف على كتابك قارئا ملتهما فآتى عليه في ساعة أو نحوها، وإذا شاعريتك المتأججة الجياشة وراء علمك وطبك تهز مشاعري ترجيعا لمشاعرك، وإذا ذكرياتك تهتاج في نفسي مثيلات تتداعى لها فينشط قلمي ليجلوها عليك.
بدأت كتابك من حيث بدأت صلتك بمصحتك، وقبيل تلك البداية كان أول عهدي بك، إذ كنت معيدا بكلية الطب ردحا من الزمن، وكنت مستهلا دراستي الطبية في غمار جم من الطلاب غفير. وأشهد لقد كان يروقني أسلوب تدريسك والرجل، بله المعلم، هو الأسلوب - وكنت استشف منه روح الشاعر الأديب وراء ذهن المعلم الطبيب، وتلك روح ما فتئت أراها مناط التمايز في التدريس الطبي، وقليل من يؤتاها، ولقد أوتيتا حديثا وكتابة بما تغبط عليه، حتى لأذكر إنني ضننت في محفوظاتي إلى أمد قريب بعجالة لك بالإنكليزية عن البلهارسيا تشهد لك في هذه اللغة - فضلا عن العربية - بجودة البيان. ولقد شاقني من بعد ما تأتى لي من كتاباتك، فلا غرو أن يشوقني كتابك عن مصحة الحلوان، وإن في موضوعك هذا لخافية لست أدري ما كننها، ولكنني عليم إنها تشوق كل طبيب أديب. ألم تصف كيف شاقتك، بل ألهبت خيالك فكرة إنشاء المصحة، ولما تزال طبيبا ناشئا مغتربا عن الاوطان، فساقتك إليها مستدرجا متدرجا حتى أضحيت لها نعم المدبر المدير، وإذا هي تملك عليك أقطار مشاعرك فتتفانى فيها كما يتفانى الربان في سفينة وكأنما هي دنياه، وإذا