يقضي الأستاذ عزيز عيد في هذه الأيام فترة من حياته تشبه فترة (الأنتراكت) في عمله. وهو لا يقضيها متكاسل العقل راكد الحس، وإنما هو يشغل نفسه فيها بالإقبال على معاشرة حيوان، والتأمل في شعوره وأسلوبه، وتعبيره عن هذا الشعور وطريقته فيه، وما قد يصاحب هذا من تفكير يسير أو كبير
وهذا الحيوان الذي يعاشره الأستاذ عزيز ويدرسه في هذه الأيام كلب اسمه (بوي) وهو يربيه منذ سنوات ويعزه ويحبه حبه لأوفى ربيب كفله
والوقت الذي يقضيه هذان الصديقان الصدوقان معاً لا يختلف في شيء عن الوقت الذي يقضيه كل صديقين صدوقين فهما يجلسان معاً يتسامران، وهما يخرجان معاً يتريضان، وهما يتشاغبان ويتصارعان ويتلاكمان، وهما أيضاً يتصالحان ويتخاصمان، وبتعاتبان ويتقابلان ويتعارضان. . . أما (بوي) فهو مع صاحبه مخلص صادق نقي الإخلاص والصدق، وأما صاحبه فلا يقل عنه إخلاصاً وصدقاً وإنما هو يريد عنه التفاتاً إلى ما بينهما من الإخلاص والصدق، وإلى ما هما فيه من عناء الحياة والأحياء
يجلس الأستاذ عزيز مع صاحبه يحدثه عن آلامه مما فات وعن آماله فيما هو آت، والكلب قاعد ينظر إليه مصغياً منتبهاً إذا رأى صاحبه طرب فقد طرب معه، وإذا رآه أسف فقد يأسف معه حتى يمل الأستاذ عزيز عيد فيستأذن (بوي) في أن ينصرف، أو يرجو (بوي) لينصرف هو، وما أسرع (بوي) إلى أن يطيع وأن يلبي الرجاء كما يلبي النداء
فيه كل معاني الحياة ودلائلها، وليس ينقصه إلا أن يعرف الغريب المعقد منها كي يساوي الإنسان في موقفه فيها خرج يوماً مع صاحبه إلى رياضة في الخلاء على مقربة من طريق القطار، ولم يكن قبل ذلك قد رأى قطاراً. ويروى الأستاذ عزيز هذه القصة فيقول:(سمع (بوي) صوت القطار وهو مقبل من بعيد يصفر ويرعد فبدا عليه الذعر وصاح فيَّ ينبهني