للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المازني في عهدين]

بين إبراهيم الكاتب وإبراهيم الثاني

للأستاذ غائب طعمة فرمان

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

في نهاية رحلته. . . يدلف إبراهيم الكاتب إلى المقبرة. . . العالم المليء بالذكريات. . . لتذكره بالموت. . . ويملأ عينيه بالرفات الباقي من حيوات كثيرة. . . وما أشبه الرفات بالذكريات!. . أليست هي بمثابة رفات لحبه الماضي؟!.

وهناك في ذلك الجو الساكن الرهيب يفكر في أمر هذه الحياة الغامضة الغريبة التي يمتزج فيها الصراخ بالغناء، ويختلط بها الألم بالطرب. . . وهو يردد (لا شك في أن الحياة عمياء وصماء. . . فليتها توهب البصر هنيهة لترى هذا الخليط من الحسن والقبح، والخير والشر! ويا ليت! من يدري ماذا تصنع إذن؟. . أترى يثور الخجل بها، فتعصف بكل شيء وتمحوه، أم تأخذ في إصلاحه وعلاجه في صبر وأناة.). . . أما لو كنت أنا الحياة لتناولت ما أخرجت كفاي من طينة الأرض المحدودة، ودككته وحطمته، ثم ذررته لهذه الرياح.

وتلك فلسفة إبراهيم الكاتب التشاؤمية. . . تلك الفلسفة القاتمة التي تعتبر الحياة (قبضة ريح) و (حصاد الهشيم) و (باطل الأباطيل) وهي فلسفة الكتاب المقدس الذي أشربت نفسه حكمته - كما يقول الدكتور محمد مندور.

ويدركه الأعياء فيقول لنفسه:

(الموت على الأقل راحة. . . فليت الحادي يعجل بنا، فقد سئمت الحياة، ومللت النظر في وجهها الملطخ، وثوبها المرقع، واشتقت أن أرقد هنا إلى جانب. . .).

ولكن صوتاً قوياً يصرخ من جانب القبر. . . (لا. . .).

ويظل القول يعاتبه فيقتنع إبراهيم بذلك ويقول:

(حسن. . . سأحيا من أجلك، وألقى المهالك إكراماً لك، وظناً بك أن تلحقي بالأموات جداً.)

ولكن. . . من أجل مَنْ؟.

(من أجل التي لها يحيا، وفي سبيلها يسعى، وبها وحدها يعني طائعاً أو كارهاً. . . من أجل

<<  <  ج:
ص:  >  >>