لا أودّ هنا أن أحدد الشخصية القانونية للأزهر فذلك محله عند ما يتعرض لعلاقة الأزهر بغيره لتسهيل الفصل في أموره الخاصة كمؤسسة عامة، وإنما أقصد بيان العناصر التي تتكون منها شخصيته (كجامعة علمية)، وفي الوقت نفسه هي عدته التي ينزل بها ميدان الحياة ليحافظ بها على وجوده الخاص بهذا الوصف
قد يكون عطف الوالي على رجاله ورعايته له من أسباب قوته في وقت من الأوقات، وقد تكون شخصية شيخه إذا علت مكانتها وكانت محببة لدى كثير من نفوس الخاصة من أسباب قوته أيضاً في وقت من الأوقات كذلك، وقد يكون لنفر من علمائه إذا منحه الشعب نوعاً خاصاً من الإجلال والاحترام أثر في قوة الأزهر أيضاً.
ولكن هذه الأسباب خارجة عن شخصيته كمعهد للبحث والدرس العلمي وإن كانت من مقومات شخصيته الدينية لأن عطف الوالي مثلاً على رجاله لما لهم من الصفة الدينية، والاحترام الذي يمنحه الشعب لبعض علمائه لا شك أن القسط الأكبر منه راجع إلى معنى ديني معه، وسيبقى عطف الوالي عليه ما دام معهداً للدين، وسيبقى احترام الشعب لبعض دائر بين علمائه ما داموا ينتسبون للدين، إذ الوالي في بسط سلطانه النفسي على الشعب في حاجة إلى رجال الدين، والشعب أيضاً ما دام يعتقد يمنح احترامه للمشرف على شئون العقيدة، واعتقاد الشعب باق ما دام هناك شعب، فالأزهر من هذه الناحية لا يضمن وجوده الذاتي فحسب، ولكنه وجود عنيف في قوته يتلاشى عند الاصطدام به أي شيء آخر
ولست أعني أيضاً هذه الشخصية، إذ أن للأزهر وصفاً آخر وهو كما أنه معهد ديني هو معهد علمي، فله بجانب الشخصية الدينية شخصية أخرى علمية، وهذه الشخصية الأخيرة بكونها أفراد ولكن لا بوصف كونهم دينيين، بل بوصف كونهم علماء باحثين وإن تناول بحثهم فيما تناول الدين نفسه، وبكونها كتاب ولكن لا بوصف أنه مصدر للأحكام الدينية ولكن بوصف أنه يتضمن إنتاجاً علمياً خاصاً، وعلى عدد من العلماء الباحثين، وعلى قيمة إنتاجهم العلمي تختلف الشخصية العلمية قوة وضعفاً، فإذا وجدنا من بين الأزهريين في عصر من عصور تاريخه عدداً يمتاز بالبحث ورأينا لبحثه قيمة علمية دل ذلك على أن