للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[محمد الأديب الأعظم]

لَلأستاذ دريني خشبة

لا أدري لماذا يشفق الكتاب أن ينعتوا النبي الكريم بالأديب العظيم؟! هل في ذلك سبة أو فيه حط من قدره صلى الله عليه وسلم؟ وإذا لم يكن الرجل الذي أُوحي إليه بهذا القرآن أديباً فماذا يكون الأديب؟

لقد ترك النبي فينا كتاب الله وسنّة النبوة، وفيها جوامع الكلم التي لم يؤتها إلا هو. ولقد علم بهذين ما لم يعلم فيلسوف بفلسفته، ولا أديب بأدبه، ولا نبي بما أرسل به. . . أسلوب مُعجز، ومعنى مُعجز، واتفاق بين الأسلوب والمعنى معجز، وغرض يشمل كل الكائنات معجز، وحياة هي البطولة المعجزة. . . وأمية لا تعرف القراءة والكتابة يسبح القُراء والكتاب في بحر لجي من قرآنها وحديثها. . . علماً وأدباً ولغةً وبياناً وهدىً وتشريعاً وأخلاقاً. . . فماذا يصنع الأدب غير ذاك؟ الأديب يترك أثره في حيز محدود من بيئته، لأيام معدودات من زمنه، ويكون بعد ذلك رجعاً كرجع الصدى في تضاعيف ذكرياته، حيث يكون شعراً في ديوان، أو قصة يلتذ بقراءتها أفراد، أو درامة يستمتع بشهودها ملأ من الناس، ثم ينصرفون فلا تكون لها في أذهانهم إلا صورة أو فكرة قد تدفعهم إلى فضيلة أو تنهاهم عن رذيلة. . . فماذا ترك الأديب الأعظم محمد بن عبد الله من هذا وذاك؟! أستغفر الله بل ترك أدباً حيًّا يتغلغل في نفوس الملايين من الناس لملايين من الأجيال حتى تقوم الساعة. يحضهم على الخير، وينهاهم عن المنكر، ويستهويهم بصور رائعة من أدبه الحق الذي نسميه الأدب الواقعي يُشرب قلوبهم المحبة الخيّرة النّيرة، ويعمرها بالسلام القائم الدائم، ويعلمهم الإنسانية، ويحبب إليهم الإخاء، ويروضهم على المساواة. . . إلا فيما رفع الله به الناس بعضهم فوق بعض درجات

قد يقول قائل إن هذه الدعوى من باب إقحام الدين في الأدب والأدب في الدين. . لأن الدين هو الذي صنع كل هذا. . ونحن نقول إن الدين هو الذي صنع كل هذا حقاً ولكنه صنعه بأسلحة شتى ووسائل متفاوتة، وقد كان أمضى هذه الأسلحة، وأشرف تلك الوسائل. . هو الأدب. . فالرسول الكريم كان حلو الكلام أغر البيان طليّ المقاطع، ذا قدرة عجيبة في تنسيق حجته، والتدقيق في عبارته، في غير كلفة ولا صنعة حتى وهو في مواقف

<<  <  ج:
ص:  >  >>