تمر اليوم بالحقل فتقر عيناك ببساط سندسي وقد نبت البريسم فحلى عاطل الأرض بعد أن كان حباً ميتاً يوم جيء به من المحزن فبذر في ظل الذرة نامية السوق ناضرة اللون فتتمثل بقول الصانع الحكيم (يخرج الحي من الميت). . . ولكل نبت من شعرات البساط مهما دق روح وخصائص للنمو والتزاوج والأزهار والأثمار
يروقك المنظر بعد أن انجلى عنه ما كان يشوبه منذ أيام من سوق يبست فثقلت على النفس، وهانت على الزمن، فناداها أجلها فانتهت أشبه ما تكون بعهد الظلم أو بالظلام عفي ضياء العدل أو ضوء الشمس آثاره
حبذا الحدود تضع لكل مخلوق دوراً، وحبذا التزامها، وما أنكر الطغيان!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أخذ من الدنيا فوق حاجته أخذ حتفه وهو لا يشعر)
ولكن الخير المحض لا وجود له في الدنيا، وكذلك لم يخل الله مخلوقا من نفع، فذاك اليبس في السوق، وتلك الضآلة في منظر الذرة حين تجف، إنما تحمل مادة الحياة وغذاء الغالبية العظمى
تلك الأمطار المثقلة أشبه بثمار التجارب وعميق الفكر، لا تنضج إلا في استواء العمر وأواخر الحياة، فيكثر الإطراق والإغضاء اتساعاً للناس على علم من الحياة، ورحمة بالعاني والخاطئ، وتحبب إلى النفس العزلة والانزواء، فيسعى إلى أهل الرأي والتجربة رائدو الحكمة وطالبو العلم كما يسعى الناس إلى التمون من تلك الثمار الجافة حيثما وجدت
وفي مظاهر الهدوء والإطراق سمة الاتعاظ والبعد عن الزهو والصلف، وهي مظاهر لا تلقاها إلا حيث تلقى الفضل والنبل، بل هي سياجهما وشارتهما كما يقول المرحوم شوقي بك:
ومن لمّ يجمل فضله بتواضع ... يَبِنْ فضله عنه ويعطل من الفخر
على أن هذا البساط الذي يأخذ بالأبصار، ويضفي اليوم على الوادي ثوباً قشيباً حبيباً، إنما نبت في كنف غيره، وإنما كفله واخذ بيده سواه