أخذت بنتي عنان الشهادة الابتدائية هذه السنة. ونالت درجة تدخلها الثانويات الرسمية التي يزدحم الناس عليها، ويتسابقون إليها؛ لأنها (في الغالب) أحسن تعليما، وأمتن نظاما؛ ولأنها بعد المجان والمدارس الأهلية بالأجر (الفاحش أحيانا)، ولكني آثرت مع ذلك كله أن أدخلها (المعهد العربي الإسلامي) للبنات، لأنه يجمع بين اتباع مناهج الوزارة، والتأدب (ما أمكن) بآداب الإسلام؛ ولأنه لا يعلم فيه إلا أوانس وسيدات، فليس فيه معلمون مع المعلمات؛ ولأن المشرفين عليه رجال منا، يعرفون من الأمر ما نعرف، وينكرون ما ننكر، ولا يأبون سماع النصح منا أو من غيرنا، واتباع سبيل الرشاد وترك طريقهم إليه إن دللناهم عليه نحن أو دلهم عليه سوانا. وكذلك يكون المسلم: يأخذ الحكمة من أي وعاء خرجت، ويسمع كلمة الحق أيا كان قائلها.
وترددت البنت خشية انتقاص صواحبها، وكلام أترابها. والنساء - مهما كانت أعمار النساء - لا يعشن من الدنيا في حقيقتها، وإنما يعشن في آراء الناس وألسنتهم. والشقاء عند أكثرهن مع التظاهر بالسعادة حتى يظنها الناس فيهن، أحب إليهن من أن يكن سعيدات وهن في ظن الناس شقيات. هذي طبيعة النساء!
ودخلت المدرسة مكرهة، فما مرت أيام حتى صار الإكراه رضا، والكره حبا. واشتد تعلقها بالمدرسة؛ لأن فيها الآنسة عطار والآنسة شطى والآنسة درا، وصارت تجيئنا كل ليلة فتقول لي ولأمها:
- بابا! الآنسة عطار قالت لنا إن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين مرة. الآنسة عطار يا ماما، حكت لنا قصة الثلاثة الذين انسد عليهم الغار.
الآنسة عطار كلمتني اليوم، الآنسة عطار ضحكت لي. إن حيتها الآنسة عطار طارت من الفرح كأنما حيتها الملائكة. وإن بسمت لها فكأنما بسم لها الدهر؛ وإن قالت لها كلمة نقشت كلمتها على صفحة قلبها فلا تنساها، وكانت دستورا لها فلا تحيد عنها. قالت لها الآنسة عطار: أقرئي كل يوم صفحة من القرآن، فلم تعد تترك قراءة صفحة من القرآن كل يوم. وجاء دمشق (سرك) تسابق إليه الناس، وتعلقت به البنت، وحاولت صرفها عنه فلم