على القبر الذي في ضفاف البوسفور سلام دائم كِفَاء الحرب الدائمة التي شنها مدى عمره على الطواغيت الثلاثة: الجهل والاستبداد والتفرق. . . عناصر الشر العريق الخالد، وثالوث الشقاء الأسود الذي تبتلى به الإنسانية حين يراد ضياعها وإهدارها وتبديد معناها
وسلام على القصر الذي سلسله فيه عبد الحميد بسلاسل الذهب وأضواه فيه بالموفور الميسور من الغذاء والديباج والخز. . . وخنقه فيه بشذا الورود والريحان. . . ثم أعجل أجله بالطب. . . حتى اطمأن إلى أن درع روحه قد ووري التراب. . .
وقبلات طاهرة مقدسة على اليد البالية التي أشارت لمحمد عبده وسعد زغلول وشكيب أرسلان وغيرهم إلى الطريق فسلكوا بالقطيع فيه ليخرجوه من المهالك والمضايق والجدب والعقم. . .
يا أيتها النفس المطلقة الحرة التي ضرب الله بها مثلاً لسطوة العلم والروح وبطشهما بقوة الملك والسياسة. . . تُرَى ما الذي تَيَّمك حتى يَتَّمك من الأرض والوطن وفطمك من حياة الزوجية والاستقرار والهدوء والعيش السالم الناعم؟!
ترى ما الذي شرد النوم من جفونك ورمى بجسمك المرامي القاضية، وجعلك (طيراً على كل غصن) يضرب بجناحه في أجواء الشرق الإسلامي ويصرخ في الأرض النائمة ليوقظ صرعى الطواغيت الثلاثة في الهند والأفغان وإيران والعراق والشام والحجاز ومصر وتركيا والمغرب. . .؟
ثم ما الذي شرد النوم من جفون (جونبول) وعبد الحميد وناصر شاه وتوفيق، حتى طاردوك وتآمروا ودبروا وكادوا واحتالوا باليد الباطشة الحمراء. . . و (العين) الرنانة الصفراء؟. أهو روح النار التي كانوا يخافونها على ما جمعوه من هشيم. . .؟
أهو روح القوة التي خافوها من مثل صيحتك في ميدان باب الخلق بالقاهرة بكلمتك المشهورة:(أيها الفلاح المصري الذي يشق الأرض بالمحراث، لم لا تشق به قلوب مستعبديك؟!) فخشوا أن تحيل النفوس الخزفية إلى حديد ذي بأس شديد. . . وأن تركِّب