وأحدثت الوراثة والبيئة أثرهما في جون ملتن، فأحب الأدب وأحب الموسيقى كما أحبهما أبوه، وظهرت فيه منذ صغره تلك النزعة الاستقلالية التي طرد بسببها الأب من كنف أبيه.
ولا ريب أن جون ملتن قد حرص على أن تنمو هذه النزعة الموروثة في نفس ابنه، وآية ذلك أنه لم ينشأ أن يحمله على ما لا يحب فتركه وشأنه حين أعرض عن الالتحاق بالكنيسة. والحق أن نزوع ملتن إلى الاستقلال سينمو مع الزمن حتى يصبح من أبرز صفاته.
وكان إعجاب جون ملتن بابنه عظيماً، وكذلك كان إعجاب أصحاب أبيه به، فما سمعوا أشعاره التي ينظمها وهو في الثانية عشرة من عمره إلا أفاضوا من ثنائهم عليه، وما رأوا إقباله على الدرس إلا تحدثوا بنباهة مستقبله؛ وأنهم ليرون سمات العبقرية تختلج على محياه الأبلج الجميل وهو بعد في سن اللعب واللهو. . .
وأحدثت كثرة الثناء عليه أثراً قوياً في نفسه سوف ينمو على مر الأيام؛ فقد داخله شعور منذ طفولته أنه فوق مستوى غيره من الأطفال، وأنه سوف يغدو رجلاً عظيماً، وكان يقوي شعوره بنفسه وإحساسه بمقدرته كلما أزداد إطلاعه وأتسع مجال ثقافته.
وكان أبوه عظيم الثقة في كفاية ابنه ومقدرته، فعول ألا يدخر وسعاً في تنشئته ليكون رجلاً عظيماً، فأختار له مربياً يعلمه في المنزل هو توماس ينج، وأرسله إلى مدرسة قريبة هي مدرسة سنت بول؛ وكان للمربي الذي يتعهده في البيت شهرة في فنه فائقة كما كان (لاسكندر جل) رئيس المدرسة التي ألحق بها صيت عظيم، يمتدح الناس أسلوبه وفنه في التربية والتعليم.
وكان أبوه إذا فرغ من توثيقه ومن ألحانه يعينه بنفسه على فهم ما يقرأ ويرشده إلى الكتب التي تلائم مزاجه وطبعه، وكذلك كان يعلمه الموسيقى إذا أنس منه إقبالاً شديداً على سماع