[نعي الشتاء]
للأستاذ محمود غنيم
تعادلَ الليلُ والنهارُ ... وأدرك القُرَّ الاحتضارُ
وراح فصلُ الشتاء يهوى ... في هُوَّةٍ مالها قرارُ
يا صفرة الموت أدركيه ... ليكسُوَ الأرضَ الاخضرارُ
كم ارتدينا فما وقانا ... منه شعارٌ ولا دثارُ
لا كان. هل فيه غيرُ برق ... من عينه يَقْدَحُ الشرارُ
وغيرُ رعدٍ يصكُّ سمعي ... كأنما صوتُه خُوارُ؟
يا من رأى قبله صريعاً ... غنَّى على رأسه الهِزارُ؟
أما ترى السُّحْبَ يوم ولي ... حفت لها أدمع غِزارُ؟
لا يُثْلجُ الغيثُ حين يَهْمى ... صدري ولو جفّتْ الثمارُ
وإن تغنَّت به تميمٌ ... وسبَّحت باسمه نزارُ
الدفءُ والضوءُ أين راحا؟ ... لينكشِفْ عنهما الستارُ
والطيرُ والأيكُ أين غابا؟ ... لينتفضْ عنهما الغبارُ
كم من نهار - مضى - عليه ... ثوبٌ من الليل مستعارُ
رياحه آذنت بحرب ... فالنَّقعُ في جوَّه مُثارُ
كأن شمس الشتاء ظبيٌ ... من طبعه الدَّلُّ والنِّفارُ
أو وجهُ عذراء ذاتِ خدرٍ ... تظنُّ أن السفورَ عارُ
لا بدره إن بدا لُجَيْنٌ ... كلا ولا شمسهُ نُضارُ
كم أصبح الفحْمُ - وهو َفحْمٌ - ... كالزاد لم تَخْلُ منه دارُ
كل امرئ كالمجوس فيه ... أمامه موقدٌ ونارُ
نجومهُ قد مشين حبواً ... وشمسُه جرَّها البخارُ
إن جَنَّ فيه الدجى انصرفنا ... فالأرضُ من أهلها قِفارُ
وبات كل امرئ سجينا ... في داره حوله حِصارُ
يا ليت أَعمارَنا ربيعٌ ... صِرْفُ ولو أنها قِصارُ