يقف المارشال تيتو سيد يوغسلافيا موقفاً فريداً إزاء هذه التيارات الجارفة التي تهب عليه من المعسكرين المتطاحنين: السوفيتي والغربي.
فهذا الخليط من الأقليات العنصرية والطائفية والتي تؤلف (اتحاداً جمهورياً من الشعب اليوغسلافية) يمر في فترة غريبة في خطورتها. ذلك لأن موقف التحدي الذي يقفه المارشال تيتو من الإدارة المركزية للشيوعية الدولية (الكومنفورم) الذي يعمل يوحي من موسكو جلب عليه غضب المعسكر الروسي في شرقي أوربا وأواسطها في البلقان، ولم يكسبه - إلى الآن على الأقل - بركة حلفاء الغرب ومؤازرتهم ونصرتهم. وتيتو على رغم ذلك قوى العقيدة في صلاح الماركسية الأصلية كما تنص عليها تعاليم ماركس ولينين كأساس للحياة السعيدة، وهو كافر بالنظم التي يعيش عليها المعسكر المعادي للشيوعية.
وماركسية تيتو ليست اشتراكية معتدلة على غرار المجتمعات الاسكندنافية مثلاً، أو تلك التي تحاول توطيدها في بريطانيا حكومة العمال.
فالنظام الذي يصوغ به تيتو حاضر يوغسلافيا هو نظام شيوعي أصيل في وسائله وأهدافه. وليس خلافه مع موسكو والكومنفورم يمس العقيدة الماركسية وإنما يمس تفسيرها والوسائل لتدعيمها وتحقيق مراميها.
والواقع أن تيتو (سوفياتي) أكثر من ستالين؛ فإن جوهر الخلاف بين يوغسلافيا وموسكو يعود إلى إصرار تيتو على الاعتقاد بأن نجاح الماركسية ورسوخها في الفكر والمسلك لن يتحقق في هذه المركزية الدقيقة الصارمة التي تفرضها موسكو بواسطة الكومنفورم على الأحزاب والجماعات الشيوعية التي تعيش خارج الاتحاد السوفياتي؛ بل أنه يؤمن بأن لك مجتمع ظروفاً خاصة ومؤثرات خاصة ونزعات عاطفية وتكويناً خلقياً خاصاً، فلا يمكن أن تصهر جميعا لتكون
لينة مطاوعة لتوجيهات دقيقة تصدر عن موسكو أو الكومنفورم وتمس المصلح القومية للذين اختاروا الاشتراكية نظاما للحياة.
وقد انقضت أكثر من عشرة أشهر على انفصام عرى الوئام بين المارشال تيتو وبين