قال الكاتب القدير البصير إبراهيم عبد القادر المازني في نقد لكتاب أخرجه لسنة مضت صديق له يوده ويجله:(نحن للثرثرة وهو للعصر والتقتير. وأحسب أني لو تسنى لي أن أكون مثله لضاق صدري لطول ما ألفت السح والهطلان).
وكأني بالأستاذ ههنا يصارح الخلق بخاصية كتابته. والسح والهطلان - في غالب الأمر وأكثر الحال - من الثرثرة، وما هذه بفضيلة في الكاتب. إلا أن استرسال صديقي المازني من الترسل اللطيف: لا استكراه لبسط العبارة ولا فضول في تدوين الفكرة. وإنما الحديث ينبثق ويسهل ويسيح على غير كدر ولا أسن. وإن تنقص صديقي المازني - على سخريته المعروفة - أسلوبه المدود، ففي الناس من يرغب عن قطرات الماء ورشحه إلى بثق النهر وغمره.
غير أن المد مكروه إن انقلب الإنشاء به حذلقة ولغواً. والأستاذ المازني بنجوة من هذين العيبين. فإنه إذا أطلق القلم عرف ما يريد، ثم تخطر له الفكرة، فيصل أطراف السلك بعضها ببعض ويسيرها إلى الغاية التي تشغل صدره. ويعينه على ذلك ما وقع إليه من مفردات اللغة وصيغها - وينافسه في محصول اللغة صديقي صاحب (الرسالة) - وهل أنا أبث سراً إذا قلت: أن المازني لزم كتاب (الأغاني) زماناً فتأدب عليه وأجرى على أنامله من سحر عبارته؟ وليت الكتاب المحدثين يصنعون صنيعه!
ويزين الأستاذ المازني ترسله المحكم بالحديث الموشى، والحديث الموشى - في أدب القصة خاصة - من الخيال لا من الكذب كما زعم بعضهم. وأحسن مثل على تلك التوشية قصة للأستاذ لمازني عنوانها (الجارة) وهي منشودة في كتابه (في الطريق). ولاشك عندي أن للقصة وتداً مرزوزاً في الحقيبة، فجاء الكاتب وصاغ له حادثة من هنا ونسج عليه فكرة من هنا. وصدق كنه هذه القصة ملموس فيما يبرز من خلال مجراها. وهو أن إشراق المرأة في حياتنا الاجتماعية شاحب وأن معرفة الرجل المصري بنفسية المرأة قليلة. والمرأة في تلك القصة على جرأة والرجل على حياء وإن كان يحلم (بالمغامرات)، وهو يحلم بها لأن المرأة عندنا لا تزال على تحفظ ولان حريتها ضيقة المسالك. وهذه امرأة