القصة على خلاف ذلك، فكيف لا يدور رأس الرجل؟ وقد استطاع الأستاذ المازني - في قصته - أن ثبت من طريق الفن الرفيق لمعان الاضطراب المكتم.
وهذا الصديق يخرج لنا اليوم (مختارات من القصص الإنجليزي). وأسلوبه هنا غير أسلوبه في التأليف، وذلك لأنه ينقل من لغة إلى لغة، وهو يتحرى الأمانة في الترجمة. فتقرأ العبارة العربية فتقول: أن التركيب سليم واللفظ متخير، ولكن الماء غير عربي. وسيغضب ذلك المتشددين عباد الديباجة للديباجة. وأما أنا وأمثالي ففرحون بالتزام المترجم أسرار الروح الأجنبي. لأنك إذا طلبت ناحية من نواحي الأدب الأعجمي فإنما تريد أن تقف على دخائلها لتميزها مما تعرفه من أدبك، أو لتقتبس منها نحواً جديداً. فجريان الجملة ونبضان الفكرة كلاهما رهين بالأداء، فإذا نقلت على خصائص لغتك وشرائط تفكيرك عطلت طرائف الأصل. وعلى هذا فإن كتاب (مختارات من القصص الإنجليزي) حقيق بالحفاوة والانبساط.
وقد تتبعت الأستاذ المازني - وإن كان فوق التتبع لإحكامه اللغتين - فوجدته يعتنق الأصل اعتناقاً. وربما عبر من الكلمة الإنجليزية المنتشرة بكلمتين أو ثلاث مخافة أن يزيغ المعنى بتمامه (مثلاً: مفتون، متحذلق: ص١٠٥) وربما حافظ على الاستعارة الإنجليزية وإن شذت في العربية بعض الشذوذ (مثلاً على رأس مرغريت مادار في اجتماعنا). وهو إلى جانب هذا يحسن استعمال اللفظ الوافي على إيجازه (مثلاً: أقصرت: ص١٠٦). ولعل تركيباً أتى به الأستاذ أرى غيره مكانه. ولكن مثل هذا يرجع إلى محض الذوق، وليس لك أن تفرض ذوقك الخاص على غيرك ممن يتصرف في ضروب الإنشاء ألطف تصرف، ويوجه مذاهب الكلام في دراية وتبصر.
بشر فارس
التكتم
في مقالة للباحث الأديب الكبير الدكتور بشر فارس باحث فيها العالم الأستاذ أحمد العوامري بك في أشياء - إلماع إلى ألفاظ في المعجمات في غير مظانها. ومما يضاف إلى الذي ذكره الدكتور المفضال هذه الكلمة:(التكتم) فقد سطوت في القاموس والتاج في مادة (د ل س)