ومع ذلك فلا يجرؤ شيوخ العشيرة على فرض أوامرهم فرضاً، أو إنزال العقوبات برجالها، إذ كان كل منهم ولي نفسه وسيدها. وله الحق أن يقتص ممن يناله بسوء:
فإن كنْتَ سَيِّدَنَا سُدتنَا ... وإنْ كنْتَ للخَالِ فاذْهَبْ فَخَلْ
ولم يكن معنى الوفاء عند العربي الوثني الخضوع لرؤسائه، ولكن المساعدة الصادقة لمساويه وأنداده، وكان قوي الصلة بفكرة القرابة، وإن القبيلة أو العائلة التي تشتمل على غرباء عاشوا في ظلها، واستظلوا بحمايتها، فإن الذب عن هؤلاء أفراداً أو جماعات من أقدس الواجبات اللازم احترامها. كما كان الشرف يقضي على الرجل منهم أن يقف بجانب قومه فيما جل من أمرها أو حقر
وَهَلْ أنَا إلا مِنْ غزَيَّة إن غوَت ... غَوِيتُ وَإنْ تَرْشُدْ غزَيَّةُ أرْشُدِ؟
كما يقول دريد بن الصمة الذي تابع عشيرته بالرغم من رأيه المصيب في غزوة كلفته رأس أخيه (عبد الله) وإذا نشد رجال القبيلة العون من أقاربهم فسرعان ما يلبى نداؤهم دون اهتمام بقيمة الأمر الذي يقدّمون من أجله المعونة، فإذا أسيء التصرف فيها تحملوا مغبة ذلك طويلاً قبل أن يعودوا إلى مكانتهم السالفة وإن انتفاعهم بالصداقة ليتضح بجلاء من هذه الأبيات التالية:
وبالرغم من ذوقهم الجاف، فليس ثمت ما هو أخص في العرب الجاهليين والمسلمين على السواء من روح الفروسية والتضحية بالنفس لنجدة الصديق حتى ولو لم تكن هناك أية فائدة شخصية من وراء هذه التضحية. ويقدم لنا الشعر القديم البراهين الجمة على أنهم