إن بين كثير من الأمور النفسية والعاطفية، وبين كثير من الماديات تقابلاً، حتى يخيل إليك أن الأشياء النفسية والعاطفية كأنها ماديات تحولت أشياء معنوية، أو كأن الماديات أشياء معنوية استحالت جمادات
من ذلك أن بين الشعر والمادة تطابقاً من حيث أن لكل منهما (ماهية) لم يتوصل العلماء إلى معرفتها في المادة، ولم يتوصل الأدباء والنقاد إلى معرفتها في الشعر. فإذا قيل مثلاً إن الأشياء الظاهرة في المادة إنما هي أعراض ينبغي أن يحملها جوهر فيه تكمن الماهية، فكذلك يستطاع أن يقال في الشعر إن كل الصفات التي يقول الأدباء والنقاد إن من الواجب أن تتوفر في الشعر حتى يحكم عليه بأنه جيد، إنما هي أعراض يحملها جوهر فيه تكمن ماهية الشعر
فإذا كان اللون والحجم والوزن والطول والعرض والثقل وما إلى ذلك جميعها أعراض ينبغي لكي تظهر لحواسنا أن تكون محمولة في جوهر ذي ماهية خاصة؛ وإذا كان الوزن والقافية واللفظ والصناعة والمعنى والخيال وما إلى ذلك جميعها أعراض يحملها جوهر، ما تلك إلا تعبيرات عنه ودلالات عليه، إذن فأين المادة وأين الشعر؟
أليس في مثل هذا التقابل بين الماديات والعاطفيات النفسية، مواضع للتأمل ومواطن للاستبصار؟
شاعرية الألفاظ
ما أقوى العلاقة القائمة بين الشعر وبين الحالات النفسية! وعندي أن التأثر النفسي بالشعر أقوى الأسباب التي تدعونا إلى نقد الشعر. ذلك بأن المعايير النقدية التي يخضع الشعر لسلطانها، على اختلافها وتباينها، تتضاءل جميعاً إذا قيست بالمعيار النفسي. على أن للمعيار النفسي في نقد الشعر عوامل كثيرة، منها الموسيقى المستمدة من القافية والروى، ومنها قوة الخيال، ومنها الاتجاه الذي يتوجه فيه الشعر إلى غير ذلك، وجميعها عوامل