هذا عنوان المقال الأول للأستاذ محمود أبو رية وعليه كان مدار كلمتي الأولى، وإني لألمح في اختصار الأستاذ في مقاله الثاني (المنشور بعدد الرسالة الغراء رقم ٥٣٨) على كلمتي (وحي القرآن) ميلاً واضحاً إلى حصر النقاش في دائرة لا يتحاماه كل ذي قلب سليم ممن دعاهم الأستاذ إلى البحث في هذا الموضوع.
ويلوح لي من خلال مقاله الثاني حرص شديد على البراءة من شوائب الشك، وذلك عهدي به، وهو أدرى الناس بأن البحث في موضوع اليوم غير البحث في مسألة الكرامات وما إليها؛ تلك المسألة التي اشتد أوارها بينه وبين أستاذ فاضل منذ عامين بالمنصورة، وكان لنا فيها موقف ما أظنه قد نسيه وما أحسبه إلا مثنياً عليه
ولو كان الأستاذ يحسن الظن بي ويراني من أهل الذكر! لأحلته إلى كتاب (الفرق الإسلامية) الذي ألفته في نشأة هذه الفرق ومذاهبها وطبعته المكتبة التجارية منذ اثنتي عشرة سنة أو نحوها، ولكني أحيل على حاشية الجوهرة، أو على الخربدة (مع إعفائه من باب الكرامات)! أو على كتاب (الفلسفة العربية) لأستاذنا المرحوم سلطان بك محمد، أو على كتاب (التوحيد) للمرحوم الأستاذ الشيخ حسين والي، وهذه عدا كتاب ابن حزم في الملل والأهواء والنحل وهو الكتاب الذي قرأه الأستاذ وأشار إليه في المقال الثاني
وبعد فما ادعيت أن في كلمتي الأولى بلاغاً للناس! ولكني قلت وما زلت أقول: إن البحث في هذه المسألة أمر فات أوانه، ولن يكون من ورائه جدوى تعود على الباحثين بعد ما أشبعه العلماء بحثاً وتنقيباً وما دونوه من الآراء والحجج في كتب التوحيد والملل والنحل
وما زلت أرى أن (موضوع الوحي من القضايا التي فصلت فيها الأيام منذ عهد الرسالة). أو لم يثر المشركون في وجه صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام ويتقولوا عليه ما تقولوا ويتهموه بأنه ساحر وأن الكتاب الكريم أساطير الأولين (اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا)؛ فما زال القرآن الكريم يبهرهم بنوره ويأخذ عليهم مناهج الحجة حتى آمنوا أنه ليس من كلام مخلوق، وبالتالي آمنوا بالوحي، ودخلوا في دين الله أفواجا، وما كان ذلك منهم إلا بعد تحد شديد ولدد في العداوة انتهيا بهم إلى تسليم مطلق؛ فكان هذا قضاء صريحاً