في غار جميل غير موحش، مشرف على بحر الأرخبيل، فوق تلعة من تلاع جزيرة سلاميس، كان يأوي ألمع رجالات الأدب، وأعظم أعلام المسرح، يوريبيدز بن مِنْسَارْخيدز. . . يقرأ، ويكتب. . . ويتأمل.
وُلد في فِلْيا، في واد يعبق بالورد، وتظله أفنان الدوح وتغني فيه البلابل. . . ثم اختلفوا في العام الذي ولد فيه فقالوا: إنه عام٤٨٠ ق. م. . . أي عام سلاميس، وأنه توفي سنة ٦٠٤ أي في العام نفسه الذي توفي فيه سوفوكليس.
ويعتبر تقويم المؤرخ اليوناني (فيلوخورس) المسمى (التقويم الأتيكي)، والذي وضعه في القرن الثالث قبل ميلاد المسيح، عمدة المؤرخين الذين ترجموا ليوريبيدز، ومن أشهرهم المؤرخ اللاتيني سويداس
وتقويم فيلوخورس في اليونانية، يشبه تقويم القلقشندي المسمى (صبح الأعشى) في العربية، وذلك من حيث عنايته بإيراد المعاهدات السياسية والكتب التي كان يتبادلها الملوك اليونانيون. . . ثم هو يشبه تقويم الثويري المسمى (نهاية الأرب) وتقويم ابن فضل الله العمري المسمى (مسالك الأبصار)، وذاك من حيث عنايته بوصف أحوال اليونانيين من مواسم، وأعياد، وعادات ومعتقدات، ومن حيث عنايته بتأريخ رجالاتهم من ساسة وقادة وفلاسفة وأدباء.
وقد ذكر فيلوخورس أن يوريبيدز قد ولد عام سلاميس، أي سنة ٤٠٨. . . على أن الرخامة التذكارية التي اكتشفت في جزيرة باروس في القرن السابع عشر الميلادي، والتي أقيمت ثمة تخليداً لذكرى يوريبيدز سنة ٢٦٤ق. م تذكر أنه إنما ولد سنة ٤٨٤. . . وقد فضل الأستاذ جلبرت موراي - وعليه جل اعتمادنا في هذا البحث - الأخذ بهذا التاريخ، لأنه اعتبر الرخامة دليلاً مادياً لا سبيل لدحضه ولا مُسوّغ لإنكاره.
ولم يذكر المؤرخ اليوناني (ساتيروس)(أواخر القرن الثالث ق. م) شيئاً في كتابه (حياة يوريبيدز) عن هذا التاريخ.