نقل الأستاذ محمود محمود للعربية كتاب (وسائل وغايات) لألدوس هكسلي، وهو اختيار موفق وجهد مشكور، فالكتاب من أجل كتب الفكر والمؤلف في طليعة مفكري هذا العصر. ولكني لا أريد هنا أن أتكلم عن الكتاب نفسه ولا عن مؤلفه، وإنما يدعوني للكتابة أمر هام يتعلق بمبدأ من مبادئ الترجمة حقيق بالعناية والرعاية، خصوصا ونحن بصدد نهضة الترجمة آخذة بأسباب التعضيد والقوة والانتشار أعني بهذا المبدأ روح الأمانة التي ينبغي أن يأخذ المترجم بها نفسه متوخيا الدقة البالغة في نقل روح المؤلف وأفكاره كي يحسن التعريف بالمؤلف وكتابه ويعطي القارئ حقه من الثقافة والاحترام. هذا مبدأ هام لا يجوز أن يغيب لحظة واحدة عن انتباه المترجمين، فليس المترجم مطلق الحرية في التصرف فيما يترجم. حقا هو حر فيما يختار من المؤلفين والكتب كيفما تراءى له وجه الحق والفائدة، فإذا اختار فلا معدي له عن أداء الأمانة لأهلها وإلا صار عمله افتئاتا وتشويها وعبثا بالمؤلف والقارئ على السواء. خطر لي أن أقول هذا عندما قرأت ما كتبه الأستاذ محمود محمود في مقدمة كتابه إذ يقول:(. . . وقد عرضناه على القارئ العربي مسهبين حينا وموجزين أحيانا. وقد أوجزت بصفة خاصة في الفصول الأخيرة من الكتاب التي بحث فيها هكسلي المعتقدات والأخلاق لأنه كان فيها هداما أكثر منه منشئا). فعلمت محزونا إنه أباح لنفسه أن يوجز وأن يسهب، وأن يوجز بصفة خاصة في الفصول الأخيرة من الكتاب لأن المؤلف - على حد قوله - كان فيها هداما. عجبت أيما عجب وساءلت نفسي مغيظا محنقا إذا كان المؤلف هداما فكيف يتحايل المترجم لتقديمه للقراء منشئا أو شيئا بين المنشئ والهدام؟ إذا أراد الرجل أن يعلن نفسه للعالم هداما فكيف تدارى أنت صفته وتقدمه في صورة أخرى؟ هذا كما قلت عبث، وفيه روح استعلاء توهم المترجم بأن له حق الوصاية على القراء، فمتى يحق لجمهور القراء - وقراء مثل هذا الكتاب من المثقفين عادة - أن يطلعوا على الحقائق كما هي! وختام يعاملون معاملة الأغرار؟!
ويزيدني أسفا أن مؤلف الكتاب يقول في نهاية الفصل الأول (. . . ولذا فقد بدا لي من الضروري أن أختم كتابي هذا الذي أقترح فيه علاجا عمليا لأمراض المجتمع ببحث في