للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شلر]

للكاتب الكبير توماس كارليل

ترجمة الأستاذ يوسف عبد المسيح ثروت

اعتبر المزاج في الشعر أول دليل من دلائل عذوبته ولطفه وخفته. والذي يعوزه هذا، ولو كان يمتلك جميع المواهب الاخرى، يمتلك نصف ذهن لأن نظره لا يفارق الأشياء العلوية ليرى الأشياء الدنيوية المحيطة له. وينفرد شيلر من بين جميع الشعراء العباقرة بمثل هذا القصور. لأنك لن تجد في كل كتاباته دليلاً واحداً على هذه الروح ولا حتى محاولة في هذا الاتجاه. لأن طبيعته نفسها خالية من ذلك. وكانت مشاعره جدية لدرجة لا تسمح لنفسها باتخاذ أي أسلوب في أي نوع من المرح أو المزاح. وهكذا لا يمكن الكشف على أي نوع من الهزل أو الكاريكاتور أو السخرية. هذا الأشياء التي هي جوهر المزاح - في أي شيء كتبه شيلر. فمؤلفاته مفعمة بالجد المكدود ولذا يعتبر أرصن كاتب. ولكننا مع ذلك نجد في بعض بحوثه النقدية وخصوصاً كتابه (الرسائل الجمالية) ما يدعي (بالنازع الرياضي) وهو يعتبر أعلى هدف في ثقافة الإنسان. وهذا يدل دلالة بينة على أنه عرف معنى الهزل وأهميته بالنسبة إلى فكره، ولو أن ذلك كان غريباً عنه وبعيداً منه. . . ومع ذلك فهو لم يدرك هذه الذروة التي رآها بكل هذا الوضوح والجلاء. فالروح الرياضية ظلت معه مجرد نظرية إلى الأخير. وباستثناء كتابه (ولنشتاين لاغر) - الذي يظهر فيه الهزل باهتاً ضحلاً - فإن محاولاته في هذا الخصوص - على قلتها - كانت ثقيلة جامدة. وميزاته في كل شيء كتبه لا تعدو الشدة الصارمة والغيرة الحماسية الجدية، والفخامة البعيدة عن الرشاقة، بينما نرى الخفة والمرح الرياضية معدومة فيه تماماً. وربما يرجع ذلك إلى إخلاصه واستقامته في استخدام فطنته، وانصبابه على تبيين العلائق العميقة بي الأشياء بدلا من ملاحظة تصادماته الوقتية. زد على ذلك أنه كان يقصد (الإثبات) لا (النفي) - أي أنه كان يعتبر ما هو موجود أنه احسن ما هو موجود - وفي النفي وحده يظهر عامل الفطنة الهازلة، لقد وضعنا هذه الملاحظات للإشارة إلى حدود عظمة شلر والفرع الذي اختص به. وهذا لا يعني نكران حقيقة هذه العظمة. أما شعوره بالحقيقة تأملاً وعملاً وإدراكه البهيج العميق للطبيعة والانسجام الحي الذي بواسطته يتمكن من تصوير ما هو جليل وعظيم في

<<  <  ج:
ص:  >  >>