للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصفاء بين الأدباء أيضاً

للأستاذ توفيق الحكيم

كانت دعوتي إلى الصفاء بين الأدباء خالصة لوجه الأدب. فأدباء مصر البارزون الدائبون على الإنتاج لا يتجاوز عددهم العشرة مع التسامح الشديد، بينما نظراؤهم في بلد كفرنسا يبلغون أكثر من مائتين من المشهورين المنتجين، ومع ذلك نطلع على صحفهم الأدبية فلا نرى غير تكاتف وتساند على أداء رسالة الأدب والفكر. إن الفن الطويل والحياة قصيرة، وكان الأجدر بنا نحن العشرة أن نوجه صراعنا لا إلى بعضنا البعض، بل إلى الفن ومصاعبه وأسراره. إن (جوته) حتى وهو مستشار للدولة ما كان يستغني يوماً عن صديقه (شيلر) وهما يعملان في عين الفرع من الأدب التمثيلي، فكانت بينهما مراسلات لا تنقطع طول النهار على قرب الديار، جمعت في مجلدين يرى المطلع عليهما كيف أنهما كانا يتشاوران في تفاصيل القّصص الذي كانا ينشئان ويتحاوران في أمر بناء الوقائع ورسم الأشخاص، بل وفيما ينبغي أن يختار لذلك القصص من اسم وعنوان. . . كنت أحب لأنفسنا مثل هذا الصفاء الذي يخرج في جوه الفن الصافي. ولكن الأستاذ عباس محمود العقاد في مقاله (صداقات الأدباء) رد يقول إن صاحب الدعوة إلى الصفاء هو الذي بحث عن أسباب الكدر بملقاط ليخلقها خلقاً بين رجلين على أحسن ما يكون من الصفاء! فإذا صح هذا الزعم كان حقاً مما يدعو إلى الأسف بل إلى السخرية! وربما كان ظاهر الوقائع يدل على ذلك؛ ولكن هل كانت تلك حقيقة المقاصد والنوايا؟ ليس مَن واجب الأستاذ العقاد فيما أرى أن يبحث خلف أستار الظاهر، وليس من حقي أن أطالبه بالنفوذ إلى أعماق النفوس، فليكن الله وحده إذن شهيداً على ما أضمرت. وقد رأى الأستاذ العقاد أن يجزي واحدة بواحدة، فلم يفته في ختام مقاله أن يدس هو الآخر سبباً من أسباب الكدر بيني وبين الدكتور طه حسين بقوله: (إن الأستاذ الحكيم يقول بعد الإشارة إلى ثناء الدكتور طه عليه منذ سنوات: لم نسمع في غير مصر أن الناقد إذا أثنى على كتاب حسب أنه تفضل على مؤلفه ورفع شأنه من الحضيض الخ الخ). ومضي يصورني في هيئة الناكر للجميل، والأستاذ العقاد ولا شك قد فهم أني ما قصدت بإيراد هذه العبارة وأمثالها إلا مجرد إظهار الإساءة لطه حسين وهو في أوج نفوذه. فلقت ما نصه: (إن هذا الوقت هو أحب الأوقات

<<  <  ج:
ص:  >  >>