في الساعة الثامنة من صباح اليوم حدثني الأستاذ عبد الله الصفتي تليفونياً بنبرات حزينة لم يتحدث بمثلها من قبل وهو يقول: عظم الله أجرك في جاد المولى بك!
فقلت:(لا حول ولا قوة إلا بالله) وكررتها نحو عشر مرات وأنا مأخوذ بصدمة لم تكن تخطر في البال، فقد كان جاد المولى بك في صحة وعافية، وكانت ملامح وجهه تنبئ بأنه لن يموت قبل التسعين أو الثمانين
وأحدق الحزن بقلبي من كل جانب، فقد تصورت ماضيه وماضي في رعاية صداقة غالية كانت مضرب الأمثال، بحيث اعتقد كثير من الناس أنه لم يصادق غيري وأني لم أصادق سواه، فما وقع بيننا ما يوجب الملام في محضر أو مغيب، ولا سمع عني أو سمعت عنه ما يستوجب العتاب
كذلك تصورت، وكذلك توهمت أنني فجعت فيه وحدي، ثم كانت النتيجة أن يتبدد ما تصورت وما توهمت، فقد رأيت جميع من في وزارة المعارف يترحمون عليه، ورأيت فيهم من بكاه بالدمع وهو الدكتور رياض
زلزلت وزارة المعارف لموت هذا الرجل، وعدت فجيعتها فيه من الفواجع الفوادح، وتمثل الجميع ما كان عليه من سجاحة النفس ودماثة الأخلاق
وأدى رجال المعارف واجبهم نحو فقيدهم الغالي فبلغوا نعيه إلى مدارس القاهرة ليشترك جميع المدرسين في تشييع جثمانه إلى المقر الأخير
وأردت أن أشترك في توديعه، ولكني لم أستطع فقد عز علي أن أرى جاد المولي بك محمولاً على نعش، وكان بالأمس ملء العيون والقلوب
لم يبق إلا أن أودع هذا الرجل بكلمة تقرب صورته إلى من جهلوه، وما أكثر من جهلوه، والحكيم يعيش في زمانه عيشة الغرباء
بداية جميلة
كان جاد المولى بك في طليعة إخوانه بدار العلوم، فأوفدته وزارة المعارف إلى إنجلترا في بعثة علمية، وحين عاد أعجب به المغفور له حسن باشا عبد الرزاق فاقترح على عظمة