هو العبد الحبشي الماكر، ومولى السيد جبير بن مطعم، (وحشي). نزل حمص واستقر بها فيمن نزلها من المسلمين الفاتحين في صدر الإسلام، واتخذوها لهم مقاماً ومستقراً، وكان وحشي في الجاهلية، فتى شجاع رقيقاً يخضع على كره منه لما يخضع إليه الرق من ضعة الذل والعبودية، فلما كانت غزوة أحد وقامت الحرب التي لابد منها بين النبي وخصومه، صاح به مولاه جبير وقال:
- هذا العداء دائر بيننا وبين محمد، وأنت باسل طموح، فلئن قتلت حمزة عبد المطلب عم النبي وثأرت لي منه، فأنت حر طليق
- سمعاً وطاعة يا مولاي
وتشب النار، ويضطرب الناس، وتتساقط القتلى من الفريقين، ووحشي الماكر كامن أثناء المعركة وراء شجرة يستتر بها عن الأعين ويرقب الفرصة السانحة، فلما رأى أسد الله حمزة يجول في الميدان ويصول على جواده، رماه بحربة من هذه الحربات القاتلة التي لا تخطئ موضع الخطر في الإنسان، ولا تحيد عما قصد بها من غاية. .!!
وينطلق العبد إلى مولاه جذلان مرحاً، ويظفر بحريته الحبيبة، (ولكنه لم يعد إلى بلده، وكيف سبيل العودة إليها؟ ولم يسد في مكة، وكيف السبيل إلى السيادة فيها؟ إنما عاش بين قريش حراً كالعبد وطليقاً كالأسير)
ثم ينتشر الإسلام، وتنهار الوثنية، ويدخل المسلمون الظافرون مكة الكافرة، فتضيق الدنيا على رحبها بالعبد القاتل، ويفكر كثيراً في نجاته، فيفزع آخر الأمر مضطراً إلى الإسلام، ويقصد خائفاً وجه النبي، ولكن النبي لم يقتل قط رجلاً جاءه مسلماً. ويحزن النبي عليه السلام حين رآه، ويسترجع بالذكرى والخيال عمل وحشي المنكر الماضي، فيقول له: غيب وجهك عني! فخضع التائب للأمر الواقع، وندم على ما فعل (وعاش وحشي في المدينة حراً كالعبد؛ وطليقاً كالأسير، وجعل الندم يحز في قلبه حزاً، ويمزق فؤاده تمزيقاً، يؤرقه إذا دنا الليل، ويعذبه إذا أقبل النهار!)