في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كانت أسبانيا المسلمة (الأندلس) قد بلغت ذروة قوتها؛ وكانت إلى جانب الدول النصرانية الثلاث: الدولة البيزنطية، ومملكة الفرنج، والإمبراطورية الألمانية، رابعة الدول الأوربية العظمى؛ بل ربما كانت يومئذ أعظم الدول بما اجتمع لها من عناصر الفتوة، ومنعة الجانب، وروعة الملك، ورفيع الحضارة. كانت حقبة زاهرة، تعاقب فيها في قيادة الغرب الإسلامي ثلاثة من أعظم قادة الإسلام وساسته، هم عبد الرحمن الناصر، فولده الحكم المستنصر، ثم الحاجب المنصور. وكان عهد الناصر بلا ريب أسطع هذه العهود وأعظمها، وفيه بلغت الأندلس ذروة القوة والازدهار، وفيه قامت الخلافة الأموية في الغرب قوية موطدة، بعد أن اختفت من الشرق قبل ذلك بمائة وثمانين عاماً. وكانت قرطبة في عهد الخلافة الأموية عاصمة الغرب الفكرية والاجتماعية؛ وكانت في الطرف الآخر من أوربا تبث أضواء حضارة جديدة لم تلبث أن لعبت دورها العظيم في تكوين الحضارة الأوربية.
وقد تبوأت أسبانيا المسامة مركزها الدولي في الغرب. كان بلاط قرطبة يرتبط مع معظم الدول الأوربية بعلائق دبلوماسية منظمة؛ وكان أخص هذه العلائق مع الدولة البيزنطية في الشرق، ومملكة الفرنج في الغرب. ومنذ عهد عبد الرحمن بن الحكم (عبد الرحمن الثاني أو الأوسط) نرى سفارات الدول النصرانية تتوالى على بلاد قرطبة؛ وكان أهم هذه السفارات يومئذ سفارة تيوفيلوس إمبراطور قسطنطينية في سنة ٢٢٥هـ (٨٣٦ م) ومقصدها أن تعتقد الدولة البيزنطية مع الدول الأموية تحالفاً على الدولة العباسية؛ ورد عبد الرحمن على هذه السفارة بأن أرسل وزيره يحيى الغزال سفيراً إلى الإمبراطور لينظم بينهما علائق الصداقة والتحالف. وتبادل عبد الرحمن بن الحكم أيضاً السفارة مع ملك النورمانيين عقب الغزوات التي قام بها النورمانيون في الأندلس، وانتهت بردهم وهزيمتهم.
وفي عهد عبد الرحمن الناصر توالت سفارات الدول النصرانية على بلاط قرطبة، وكان