أقلتني سيارة برفقة الأخ النبيل الكريم حسن حشمت، من خيرة الشبان وأكفأ ضباط الحدود، وطفنا بكثير من البساتين والينابيع، وهي عماد موارد الواحة وخير ما يميزها، تنتثر في أطرافها في عدد لا حصر له، وحولها تقوم غابات النخيل تتخللها أشجار الفاكهة، أخص بالذكر منها الكروم والزيتون، ثم الرمان والتفاح والبرقوق والموالح، على أن البساتين تفتقر إلى عناية كبيرة من أهلها، فهي مهملة إلى حد كبير، إذ تغص أرضها بالطفيليات، وتزدحم بالأشجار المتجاورة، مما يؤثر ولاشك في مقدار إنتاجها عاماً بعد عام. ويخيل إلى أن الناس هناك أميل إلى الكسل، إذ كنا نرى ماء الينابيع المتفجرة يجري على غير هدى، ويؤدي بعضه إلى مستنقعات فسيحة هائلة بعضها يبدو كالملاحات المديدة. نرى كتل الملح الأبيض الوضاء تكسو جوانبه إلى مد البصر، ولقد حاولت وزارة الزراعة إصلاح تلك الأرضي وحث الناس على استغلالها بطريقة أنجع من طريقتهم الحالية في الحرث وتعهد الأرض، وكذلك في الاستفادة بذلك الماء الوفير الذي يضيع سدى، ولقد قامت وزارة الزراعة هناك بمجهود يشكر في توزيع أشجار الزيتون والخروب على الناس مجاناً، وفي الاحتفاظ بمياه الينابيع فأقامت حول كل عين أحواضاً كبيرةً من البناء تؤدي منها المجاري الصغيرة إلى مختلف النواحي، بحيث تشعر وأنت تجوب أطراف الواحة من كثرة القنوات وتقاطعها وتشعبها أنك وسط قطر زراعي ممتاز، لكن رغم ذلك يضيع جانب كبير من ذلك الماء سدى، ولقد ساعدت تلك القنوات على تجفيف كثير من المستنقعات التي كانت مربى خصيباً لبعوض الملاريا الذي كان يفتك بالناس فتكاً ذريعاً، وهي تبث في تلك المياه نوعاً من السمك الصغير الذي يعيش على بويضات ذاك البعوض استئصالاً له. ولقد زرنا مصنع وزارة الزراعة الذي أقامته لاستغلال أكبر موردين للناس: هناك البلح والزيتون؛ وهي تبتاع من الآهلين جانباً كبيراً من أجود أنواع البلح، وتخضعه لعملية الغسيل والتطهير والتبخير، ثم الكبس في صناديق من خشب تبطن بالورق الصقيل، وتصدر منه بين ٢٠٠٠ و٤٠٠٠ طن في العام؛ وفي جانب من المصنع معصرة آلية للزيتون بكامل معداتها، يعصر