في الوقت الذي تنال فيه قضية سوريا ولبنان عطفنا وعطف الجامعة العربية، وتتمتع بالاهتمام الذي تستحقه من كل عربي، توجد قضية أخرى لا تتمتع بهذا الاهتمام بالدرجة الكافية. . . تلك هي قضية الشمال الأفريقي - الجزائر وتونس ومراكش - الذي ترتكب فيه الدولة الفرنسية أشنع مأساة يخجل منها المتحضرون.
والواقع أن أشنع ما ارتكبه الفرنسيون في سوريا ولبنان، لا يعد شيئاً بالقياس إلى ما يرتكبونه في الشمال الأفريقي إلى هذه اللحظة. فلم تزد شناعاتهم في سوريا ولبنان على فعلة حمقاء - جرباً على طبيعتهم في تاريخهم الطويل - بالقبض على رئيس جمهورية لبنان ووزرائه؛ ولم تزد على مؤامرة خسيسة دبروها لاغتيال أعضاء الوزارة السورية وأعضاء البرلمان في أثناء اجتماعهم؛ هذه المؤامرة التي فشلت لوقوع بيانات سرية في أيدي الحكومة السورية قبل تنفيذ المؤامرة الخسيسة! ثم ضرب دمشق بالقنابل مرتين في خلال عشرين عاماً. . .!
وهذه كلها بالقياس إلى ما يرتكب في الجزائر ومراكش خاصة لا تعد شيئاً. وقد هزت شعورنا تلك الحوادث التي ارتكبت في البلدين الشقيقين، فمن حق ما يقع في الشمال الإفريقي أن يثير نفوسنا وأن يدفعنا إلى التدخل الحاسم.
وأنا لا أتوجه بهذا الكلام إلى الجامعة العربية وحدها، ولا إلى رجال السياسة في البلاد العربية كذلك؛ إنما أتوجه إلى ضمير الشعوب العربية جميعاً. فأنا على ضعف ثقتي برجال السياسة في هذا الجيل لا أزال شديد الثقة في الجماهير، وفي ضمير هذه الجماهير؛ وهو وحده الضمان لتقوية الجامعة العربية ودعمها، ولدفع رجال السياسة مهما اعتور نفوسهم من الضعف والتردد.
فإلى هذا الضمير الشعبي العام أتوجه بالحديث.
ولكي لا أتهم بالتحامل فإني أعرض على قراء العربية صورة لتصرف الفرنسيين في الجزائر ليست من صنعي ولا من صنع كاتب عربي، إنما هي من رسم رجل فرنسي شذ فكان له ضمير! ولعله هو أيضا ضمير مدخول، فهو يكشف لأبناء وطنه عن شناعة الحكم