[من مناظر الهجرة]
أم سلَمة
بقلم ناجي الطنطاوي
- ١ -
(في البادية، قبل الفجر، أم سلمة ممتطية بعيراً وابنها في حضنها وأبو سلمة آخذ بخطام البعير يسوقه، في طريقهم إلى المدينة مهاجرين)
أم سلمة
(أبا سلم) حث المطي فأنني ... أخاف من القوم المكيدة والغدرا
إذا أدركونا اليوم كان نصيبنا الرّ ... دى وغدت هذي الرمال لنا قبرا
وإنيَ لا أخشى على نفسيَ الردى ... ولا أرهب الموت الزؤام ولا الأسرا
ولكن طفلي سوف يصبح إن أمت ... يتيماً، ويمسي طعم عيشته مرا
إذا صاح (أمي) لم يجد من يجيبه ... فتذري أحر الدمع مقلته الشكرى
لنسرعْ فإني قد شعرت بوحشة ... وذعر
أبو سلمة - ... دعي يا أم سلمة ذا الذعرا
ألم تعلمي أن المقدر كائن ... إذا عاندته النفس أعقبها خسرا
سننجو معاً إن يكتب الله نجوة ... ويلحقنا ضر إذا كتب الضرا
ألا في سبيل الله كل مصيبة ... إذا نزلت فينا ادَّرعنا لها الصبرا
ثقي أن ما نلقى من البؤس والضنى ... سيجعل رب العرش فيه لنا أجرا
دعانا إلى الدين القويم محمد ... فقلنا له لبيك رمت بنا خيرا
أطعنا وآمنا بك العمر كله ... فمرنا فإنا قد بذلنا لك العمرا
وقفنا على نصر النبي نفوسنا ... وأرواحنا لا نبتغي الحمد والشكرا
سلام على عهد بمكة سالف ... لهونا به لم نعرف الحزن والضيرا
نهاجر من أرض غذانا نميرها ... لو أنا استطعنا ما نوينا لها هجرا
فهل يكتب الله المؤمّل عودة ... لنا أم ستبقى في خيالتنا ذكرى