يقول الأديب عباس حسان خضر إن محمود حسن إسماعيل، شاعر الريف النابغة، صاحب ديوان (هكذا أغني)(يمضي متدفقاً مندفعاً عنيفاً، وفي كثير من الأحيان يتبع هذا التدفق والعنف عدم اكتراث بسلامة الذوق، واعتساف في الفكر وفي التعبير - كما نبين فيما يأتي - معتمداً في ذلك على قوة طبيعته ونشاط خياله، غير متقيد ولا محترس، فهو يعول على الهبة الفطرية أكثر مما يعول على المهارة الاكتسابية.)
ولم يتبع هذا الكلام بيانٌ دقيقٌ عن عدم اكتراث الشاعر بسلامة الذوق واعتساف الفكر والتعبير كما قال؛ وإنما مضى يقول بعد ذلك:
(يمتاز شعر هذا الديوان بشيء لعلي موفق إذْ أسميه (الروعة) وهو ذلك الذي يستغرق المشاعر ويروع العواطف ويأخذ بالذهن إلى عوالم متنائية الأطراف، ولعل مبعثه بعد المدى في الخيال، والإيغال في تصوير الأشياء التي يكتنفها الغموض!)
ويفهم أي قارئ لهذا الكلام أن الكاتب يحاول أن يهاجم الشاعر النابغة ولكن إحساسه الباطني بشاعرية محمود إسماعيل تخونه في التعبير الذي يقصد! فالكاتب يذكر أول الأمر أن محموداً في شعره متدفق مندفعٌ عنيفٌ، ولكنه لا يكترث غالباً بسلامة الذوق الرفيع، ويعتسف في الفكر والتعبير؛ وبمعنى آخر يريد أن يقول إن محموداً شاعرٌ مطبوعٌ ملهمٌ ولكنه لا يجيد صناعة الألفاظ، وهذا الكلام في صالح محمود ولعل الكاتب لم يقصد إليه.
وقوله بعد ذلك إن الشاعر يأخذ الذهن إلى عوالم متنائية الأطراف وإنه بعيد مدى الخيال، وإنه يوغل في تصوير الأشياء التي يكتنفها الغموض اعتراف صريح بعبقرية الشاعر؛ فما أظن أن هناك تعريفاً لشعر شاعر أجمل من هذا التعريف الذي ندَّ به قلم الكاتب الفاضل عن غير قصدٍ. أقول عن غير قصد، ومعي الدليل البيِّن على ذلك، إذ لم تمض بضعة