إن الأمثلة التي ضربناها لنناقض صاحب الكتاب لا تمثل كل مظاهر فساد التفكير الفاشي في الكتاب، وليست هي كل أمثلة التناقض فيه على الرغم من أن أكثر الكتاب تراجم ونصوص في كثير منها طول، وهذه وتلك تقي بطبيعتها صاحب الكتاب أن يظهر عيوب تفكيره اللهم إلا إذا تطوع بالتعليق
فمن أمثلة وقوعه في التناقض حين يأخذ في التعليق وهو يترجم لرجال القرن الرابع ما وقع في كلامه على ابن شهيد؛ فقد روى لابن شهيد رأياً يناقض صريح رأي زكي مبارك في الأسلوب، وأقره على ذلك الرأي فهدم بذلك رأي نفسه وتناقض من حيث لا يدري. روى له في صفحة ٥١ من الجزء الثاني قوله:(إن للحروف أنساباً وقرابات تبدو في الكلام، فإذا جاور النسيب النسيب، ومازج القريب القريب، طابت الألفة وحسنت الصحبة، وإذا ركبت صور الكلام من تلك حسنت المناظر وطابت المخابر) إلى آخر ما روى له. ثم علق عليه بقوله:(وهذا كلام جيد، وأجوده ما نص فيه على أن للحروف أنساباً وقرابات تبدو في الكلام؛ فإذا جاور النسيب النسيب ومازج القريب القريب طابت الألفة وحسنت الصحبة) وليس لتعليقه هذا معنى إلا أنه يقر للأسلوب بما أنكره مراراً من قبل. فإن تناسب الحروف من صميم الأسلوب أو هو الأسلوب صرفاً، لأنه يتعلق باللفظ والصيغة دون المعنى. فهذا نص لا يستطيع صاحب الكتاب تمحلاً ولا تأويلاً له، يضاف إلى ما ناقض به نفسه سابقاً في أمر الأسلوب، وينقض عرضاً كل ما كتب عن أسلوب القرآن، لأن القران الكريم هو المثل الأعلى لهذه الظاهرة البلاغية التي نبه إليها ابن شهيد، وأقرها واستجادها زكي مبارك في غفلة من ذاكرته وهواه. على أن هناك نصوصاً أخرى له غير التي سبق ذكرها ينقض بها مذهب نفسه في الأسلوب وإنكار مكانته قد تأتي لبعضها مناسبة فنذكره
ومما جاء فيه صاحب الكتاب بقول مختلف استقامة ألسنة الأعراب. فهو يقول في صفحة ٥٥ من الجزء الأول: (وأرى من المضحك أن يظن أن العرب لم ينتبهوا إلى وقوع اللحن في لغتهم إلا بعد الإسلام، وأن اتصال العرب بالأعاجم هو الذي رماهم باللحن، كأن لغة