كتب الأستاذ محمود تيمور بك مقالا في (الهلال) عن (طه حسين) في باب (صور وصفية لشخصيات لامعة) قصد فيه إلى تصوير حياة الدكتور طه حسين بك منذ طفولته. والواقع أن الدكتور طه لم يغادر في حياته الأولى (من متردم) بصنيعه في كتاب (الأيام) وقد جنى هذا الصنيع على الشطر الأول من مقال الأستاذ تيمور، فهو يبدو لقارئ الأيام وصفاً موجزاً مجملا لتلك الحياة التي فصلها صاحبها وحللها صادقاً مجيداً.
ولكن الأستاذ تيمور أجاد حقاً في تصوير شخصية (طه حسين) من حيث أنه (مزاج قوي بين حضارتين متغايرتين: حضارة الشرق وحضارة الغرب، وعصارة طيبة من معهدين مختلفين: الأزهر، وجامعة باريس) كما قال الأستاذ في مقاله، وكما قال أيضاً:(وإذا كان طه حسين قد جمع في شخصه بين الشيخ والدكتور، فقصارى ما فعل أنه لاءم بين نشاطين من ضروب النشاط الذهني للإنسان، وكان بهذه الملاءمة نموذجاً مثالياً للأديب الشرقي المعاصر.
(وحسبنا، لكي تتجلى مزية هذه الملاءمة، أن نتمثل طه أزهرياً استأثرت به أزهريته، أو جامعياً لم يفز من الثقافة العربية في غمارها الملتطم بنصيب.
(فإن الأزهري أو الجامعي قد يكون له أثره وخطره، ولكنه لن يكون تلك الشخصية المثالية المكتملة التي نسميها طه حسين).
وختم الأستاذ تيمور مقاله بالإشادة بأسلوب الدكتور طه حسين الذي عده مظهراً رائعاً من مظاهر ازدهار البيان العربي في الوقت الحاضر.
وأخلص من هذا كله إلى كلمة صريحة: هي أن الأستاذ محمود تيمور، وهو بصدد التصوير الوصفي لشخصية طه حسين وأدبه، قد أعطى له كتابه بيمينه. . . وأهمل شماله إهمالا تاماً، فهل يعتقد فيه وفي أدبه الكمال المطلق الخالص، أو هو يجامله، وهل تتفق هذه المجاملة مع رسالة الفن والأدب التي نعتقد أن الأستاذ تيمور من أخلص الناس لها؟
ولعله ذهب في ذلك مذهب الدكتور طه الذي جرى عليه أخيراً في الكتابة عن بعض المعاصرين، ذلك المذهب الذي يكاد يخرج عن نطاق النقد ذي الكفين. . .