(قال لي صاحبي)، وكان في جملة المستمعين إلى محاضرة الأستاذ محمد خلف الله بك ينادي دار العلوم في أثر الدراسات القرآنية في تطور النقد الأدبي) وقرأ ما أشرت إليه في الأسبوع الماضي من أن الأستاذ كان يخلط في محاضرته بين العربية والعامية - قال: لقد مررت عابراً بهذه النقطة، فإن الأستاذ كان يخطب كبار الأساتذة وصفوة رجال اللغة العربية وهو نفسه منهم، وكان يتكلم في بلاغة اللغة العربية، والمكان نادي القوم الذين قيل إن الفصحى تموت في كل مكان وتحي في دارهم. . أفيليق مع كل هذا أن يخلط في حديثه بين العربية والعامية. .؟
سكت قليلاً وأنا أقول في نفسي: عجباً! إننا نعيب مثل هذا على أناس ليسوا من هذا الطراز، ويخطبون جمهوراً من عامة الناس في موضوعات عامة وفي أماكن أخرى. . ثم قلت لصاحبي: ترى إذا لم يكن حديث الأستاذ خلف الله خالصاً من العامية؟ ليس من المقبول أن يقال إنه أراد أن يدنو من إفهام المستمعين، فهم هم. . أتراه لا يقدر على الاسترسال في التعبير الفصيح؟
بدأ على صاحبي الإنكار لهذا التساؤل، وهو ممن يعرفون الأستاذ خلف الله منذ القديم، فأسرع يقول: لا. إني أعرفه خطيباً فصيحاً متمكناً منذ كان طالباً في دار العلوم، وطالما سمعنا منه آيات بينات، والعجيب أنه يأتينا اليوم هكذا بعد أن زادت ثقافته وكبر مقامه!
وأنا كنت أسمع عن الأستاذ خلف الله - قبل سفره في البعثة إلى إنجلترا - أنه شاعر مجيد. فلما رجع من البعثة انقطع صوته في مضمار الشعر، فلعله أيضاً فقد الحماسة للعربية فلم يعد يهتم بشد لسانه إليها!
وقلت لصاحبي: يظهر أن المسألة ليست مسألة قدرة، وإنما هي حرارة في القلب، فإن أولئك الأساتذة الذين يحدثون الجموع فلا يلتزمون التعبير الفصيح - وهم من رجال العلم والأدب - إنما يفعلون ذلك استجابة للفتور والتهاون ومطاوعة لاسترخاء اللسان؛ وعلى عكس ذلك نرى كثيراً من السياسيين والمحامين ورجال النيابة العامة تنطلق ألسنتهم في