كاتبة هذا المقال سيدة سويسرية واسعة الثقافة دقيقة الملاحظة
صافية الشعور وقد وعدت الرسالة أن توالي الكتابة في هذا
الموضوع فلها الشكر. (المحرر)
مصر اسم يخلب اللب ويسحر القلب ويستثير حتى في أجفى الناس طبعاً صورة هذا البلد الفاتن والطبيعة الخصيبة والبدر اللامع ويلهم النفوس ذكرى هذا الماضي العريق والمدنية القديمة والعظمة الفرعونية وقصص ألف ليلة وليلة الرائعة، وقد أنهكتها جهود المدنية الأولى فاستجمت بعد هذا الشوط البعيد حقبة طويلة من الدهر ما تزال تتذوق فيها خيال هذا الماضي العظيم وسلطانها السالف!
وكم من عاشقين غمرتهم شمسها الضاحكة بالفرح والسعادة ودفء القلوب!
وكم من خياليين جاشت نفوسهم في ربوعها ومجاليها بالأخيلة السعيدة والأحلام البهيجة!
وكم من مترفين ملئوا فراغ حياتهم وخيالهم بمباهجها ومناظرها وقضوا شهوة التطلع من عجائبها ومن المتناقضات فيها!
أليست تجمع في الواقع الكثير من هذا التناقض؟ فيجاور الجاه العريض والرغد الوفير البؤس الساحق والفقر المدقع؟
الست ترى السيارات الفخمة ذات الفرش الوثيرة عند مداخل الملاهي والغلمان الضريرين يستدرون الرحمة ويسألون العطف في أسمال رثة؟!
على أن المدنية تسير فيها الآن بخطى واسعة سريعة. ففي الحين بعد الحين يبدو بين الناس رأى ناضج أو صناعة رائجة فتكون الدليل الساطع على الفوز والنجاح. على أن كثيرا ما فارت حماسة الناس ثم قرت، واتقدت شعلتهم ثم خبت، ما أشد حاجتهم إلى ملكة الاستمرار والاستقرار!
ولطالما سئلت عن رأيي وشعوري في مصر. وكان جوابي واحدا لا يتغير، أنها ككل بلاد العالم فيها الطيب والخبيث، على أننا إذا قدرنا أن العوامل الاجتماعية وظروف الحياة